أيكون العيد عيداً وأنت لم تعد فيه بقلب ومشاعر صادقة؟، بروح صافية؟..أيكون العيد عيداً وغيابك لم يتوقف عن حضور اجتماع عائلتك، والسلام على أقاربك، وتهنئتهم؟.. أيكون العيد عيداً وقد أخفقت في الوصول إلى "الفرح الطفولي" الذي تنتظره في لحظة إحساس "كل عام وأنتم بخير"؟.. أيكون عيداً إذا تملصت من لقاء الجميع لأنك تخشى مصادفة حضور رجل لا ترغب أبداً بمصافحته؟، لأنك تستخفّ بالمعنى البسيط الذي يضيفه احتفال العيد ليومك العادي، وتزعم أنّ ذلك سيفسد الأثر الشعائري فيك، أو لأنك نسيت شراء علبة حلوى قيّمة، باقة ورد ترتبط بمقامك الاجتماعي، أو حتى "عيدية" تفي بغرضك المتباهي، أو أي مسلك يؤدي إلى التصنّع؟. هل نسيت طريقتك في الاحتفاء باللحظة الفريدة؟ كنت تقول عن دهشة الأيام السارة أنها "مثل يوم عيد"، كنت تعبّر عن طول انتظارك لأحدهم أنه مثل "الهلال المرتقب"، واليوم تعلن لنفسك الحصار عن كل البواعث الطبيعية للسعادة، ثم تشتم الوقت والأصدقاء لأنهم بحثوا معك عن الزمن الضائع بلا جدوى، حين تتبرم في "تويتر" من نمطيات القوانين المحلية في الاحتفال الوجيز والمبسط، حين تسخر من البنت التي تصوّر الفناجين والفساتين والزوايا من أجل خاطر "انستغرام"، وثوبك الحزين –الذي سمّيته لبس العيد– يجلس في ظلمة الخزانة كما لو أنه "مُختطف"! ذاكرة الخصومة انصت إلى الصوت الإنساني بداخلك، الصوت الذي يقترح عليك أن تفقد ذاكرة الخصومة وأسباب النزاع والكلام البغيض، الصورة التعبيرية التي يرسمها العيد على كعكة العائلة، على كروت الإهداء وأغلفة الحلوى، يدك التي تفتش مدخرات جيبك لتثير دهشة متورّدة في وجوه الأطفال المترقبين مفاجأة الجيب، على افتراض أنّها أكثر من فكرة ريالات تمنح لهم بنيّة الدَين، وآخرون يتشوقون لفكرة دمىً صغيرة تكفيهم جميعاً، وأصغرهم جاء من بعيد ليراهن أنّها طائرة كبيرة تعرف طريقها نحوه، جميعهم جاؤوا ليمدّوا لك يد السلام، "سلام العيد يا رجل المفاجآت". تسجيل قديم أنت من تركز انتباهك على حيّز ضيق، حيز قاتم يجعل من التجاوز والغفران أمراً غير مشروع، حيزاً محشواً بأسباب المعضلات وتبريرات الانفصال عن أصناف من الناس، ثم تتظاهر بعد ذلك بالسلام الداخلي من خلال الهامشية والصورة البعيدة، إنك –بإيجاز منطقي– تضيّع نفسك في العيش مع رؤيتك المحمومة بالأيام الفائتة، تلك التي انقضت كلياً ولم يعد يتذكرها أولئك من استكثرت عليهم حلاوة المصافحة، أو بقولٍ آخر، أنت تقف وحدك أمام تسجيل قديم ومشوّش، تحاول عبثاً عرضه بجودة (HD) عالية ونظِرة، وباستحالة أكبر، تظن أن تواردها في ذاكرة جماعية مع كل أولئك الذين كانوا في الظل معك أمراً محققاً!. اعكس صورتك إنهم وإن تمردوا –آنذاك– على كل القيم والمألوف من الثوابت، وتجاوزا ضوابط العلاقات معك، إنهم وإن فعلوا ذلك، لا تخضع أنت من جهتك للمزاجيات والتحولات والتوقف المباغت، انتهك قوانين هذه الانتكاسة واعكس صورة الماء بداخلك، ذلك لأنّ السعادة مثل الماء تجعل من كل شيء حي، وما ألطف من توطّن السلام في الروح الذي يمدّنا بالإنسانية والرسوخ ومولد الحياة، ألا وإن لكل إنسان تعبيره الخاص الذي يتقاسمه مع الناس، وهذا التعبير يمارس باللغة الجميلة وبالمشاعر المعلنة وعدد كبير من المصافحات المباشرة التي لا تضطرهم أن يذكّروك بصوت مسموع: "سلام العيد يا مُتجاهِل". لغة جديدة قيمة العيد لديك تبدأ من كلمة الصباح، وحيث تكون القيمة ثمرة تاريخك الإنساني تصبح لغتك الغريزية أكثر سعة لاحتواء الكلام الحلو الخفيف والمريح، لغتك مع الناس لم تكن موضوع تقديريّ قديم "على فكرة!"، إنهم يستطيعون تقييم حديثك تبعاً لإرضاء الذوق، على طريقتنا مثلاً، يمتدّ الإعجاب بالكلام البليغ المفصّل ويتقلص بالكلمات الضئيلة الموجزة، فلا تتخلّى عن حيّزك من الإعجاب والاعتزاز بك في أفئدة الناس، توصّل إلى لغتك الواصفة لك، وابعث لهم –وبشكل مسرف إن شئت – مقاصدك الكلامية التي تعبر عنك لتعرّف بك، امنحهم المصافحة بوصفها "لغة جديدة" ثائرة ضد جملة النزاعات والخصوم، وابدأ أنت بسلام العيد "يا سيد النُبل". لقاء العيد قل كلمتك الجميلة الحاضرة في مجلس العيد، واتخذ من كلامك المحسّن شرعتك الخاصة –إذا جاز القول –، ولا تحرق التعبير الحسي بإلقاءٍ فظ يساء مقصده، ولا بإلقاء بارد توجع به الرأس، بلا تكلف، استأثر بالكلام الذي يضمن لك اطمئنان العالم من حديثك، ساعد كلمتك المعبرة على الخلاص من ثأر الحكايات المنقضية، تلك التي انتهت صلاحيتها بانتهاء تاريخ يومها في ورقة التقويم، فليبقى العيد بهويته ونسقه الطبيعي الذي نتذاكره في بهجة الماضي، ليبقى حضوره "الروزنامي" وثيقاً باللحظة المولّدة للفرح والتعبيرات الصميمة، وليهيمن وجودك الغامر في المكان حتى لا تبدو مغترباً زمنياً عن المعنى الحافل ل"لقاء العيد". زيارة مقصودة إننا نضع أسماؤنا في قالب مملوء بالمتشابكات من الجُمل التي تصيغ شكل الفرح ولون البخور وهلال العيد في رسالة نصية مفادها: "أنك لا زلت ضمن الموجودين في ذاكرة الهاتف"، نعمّق الجُمل بالمزيد من الصفات –المسماة جيداً– بالسعادة، والرضا، والدعاء، لتفترض بعدها أنّ دَينٌ ما –متعلق برباطك الاجتماعي– تم إسقاطه، ثم تعود لتتغذى برسائل مماثلة من أصدقاء مماثلين بغية إعادة إرسالها لمخدوعين آخرين، وربما هم ليسوا فعلاً كذلك، كل ما يتطلبه الأمر هو قولبة اسمك "أنت" في كتابات متوهجة العاطفة مع أنها فاقدة لسماتك الأصلية، وهذا لا يهم طبعاً، ما يهم هو استدعاء اللحظة القصيرة و تقديم الاحترام لها، وإنها بكل بساطة حتماً ستنضب، ما يخلّد فعلياً هو الاتصال المباغت والزيارة المقصودة، ما يجعل الأمر مؤثراً ويحمل المعنى الجيد ليست رسالة مكتوبة –غير معروف صاحبها– إنما هي اللحظة القابلة للقراءة ألف مرة. سيل الوجدان في سلام العيد ندرك إدراكاً يقيناً أنّ كل النصوص التي تكتبها رسائل الجوال هي الآن فينا ونحن الآن نقرأها في عيونهم، المصافحة هي العنصر شبه الوحيد الذي يتفاهم فيه الناس بلغة العناية والتقدير لا بالرسائل الخطية الشائعة كمنشورات الإعلانات، ولا بالمعنى الإضافي الذي لا يجسدنا حرفياً، ومن هنا، عليك أن تجسّد نفسك أنت من خلال حضورك وبشاشة النفس الملبّية لصوت العيد الطفولي بداخلك، لن تقنعك رسالة نصية مكررة على ألف مهنئٍ غيرك، ولن تكفيك صور الورد والفوانيس المشعّة باسمك أو أي رمز جوهري أو حتى شكلي، لن يشعرك أي شيء من هذا بالامتنان، إلاّ أن تقترب وتبسط يدك للسلام والكلام المفتوح أمام سيل الوجدانيات فيهم. رزمة التساؤلات إننا لنعرف أنّه لا وجود للكلام الشاعري المتخلّي عن أهله، أقرباءه، وأصدقاءه، لا مكان للكلام إذا لم يتبعه حضور، أن تحمل الحب والانتماء لعشيرتك ومن حولك من المهتمين يعني أن لا يعطلك أي مانع أو عثرة أو أي حالة ظرفية من "سلام العيد"، ويعني أن الحب بداخلك يحمل من الشهامة ما يجعلك تتحكم في كل مزاج سيء، لأنّ العلاقات التي تطول مدة ابتعادها تحمل الفكرة الخاطئة عن بعضها البعض، وعليها تبقى رزمة من التساؤلات عنك وعن "سلام العيد يا قاطع" تلزمها جواباً ضمنياً قبل أن تفسد صورتك، قبل أن تجعلك غريباً بينهم ولا تجد ما تقوله لهم عندما يتجدد اللقاء، لا تكف يدك عن السلام وأنت تعلم يقيناً أنها الفعلة المناسبة التي توفر لك شعوراً بالاطمئنان وبالغبطة التي تضغط على يدك كتعبير يرسّخ أهميتك لديهم، حتى تتأكد أنّ حضورك لا ينبغي له الوفاء، بل المجاهرة بالوفاء. احتضن الفرح وانسى ما مضى العيد فرصة لمد الأيدي وتجاوز الخلاف «عدسة: بندر بخش» المعاند والمكابر على الفراق يحرم النفس حلاوة المصافحة