هل هناك اتفاق سري مضمر بين جميع منتجي الدراما في العالم العربي على تحويل الأمسيات الرمضانية إلى شاشة عرض هائلة ينشرون فوقها.. غسيلهم؟ لا أعلم هل هذا الازدحام يعود لرواج سوق الإعلانات التجارية التي تمولها الطبيعة الاستهلاكية لهذا الشهر؟ تماما كما يحدث في مواسم أعياد الميلاد في العالم الغربي؟ أم أنها الطبيعة الاجتماعية لهذا الشهر وساعات لياليه الطويلة؟ على كل حال لا اعلم سر هذا الازدحام والتكالب، ولكن كل عام بلا استثناء أتأكد أن الدراما لدينا في العالم العربي، تعاني من أزمة حقيقية، وأن صناعة الدراما إن لم تكن مرتبكة فهي هزيلة، وعلى الرغم من الميزانيات الهائلة التي نسمع أنها تصرف على بعض الأعمال، والتسويق الضخم لها بشكل يستدرج المشاهد حتى ذلك المشاهد الحريص على ألا يقع في فخ غواية الإعلانات مرة أخرى، لكنها تستدرجه ليصادف نفس المحتوى من ضعف النص وتخلخل الحبكة والخواء وغياب العمق عن الحوار أي ببساطة غياب المهنية ..فيعود ليقينه السابق أن الدراما لدينا مفرغة من الدراما. وهنا حتى لا أكون معممة في أحكامي وشمولية فيها، فهي محدودة الأعمال التي تابعتها.. وعندما أقول تابعتها فإنني سأسرف قليلا لأنني تابعت بضع حلقات منها وعجزت عن أن تحترمني أو تقدر وقتي الذي منحتها.. فلم أحترمها وغادرتها. مسلسل (سراي عابدين) وهو المسلسل الذي طوق بحملة إعلامية واسعة ممول برأس مال خليجي وطاقم عربي وكان المشاهد يتوقع منه الكثير، قرأت أن هناك استعدادات لموسم ثان منه فإذا كان هذا حقا فأمام طاقم العمل قائمة طويلة من الثغرات والعيوب بحاجة إلى ترميم وإلا ظل المسلسل يجتر نقائصه الدرامية وينثرها في وجه المتلقي لعام آخر. على سبيل المثال اختيار كاتبة السيناريو لهذه المرحلة التاريخية، هل هو محاولة منها لصناعة نص مواز لمسلسل (حريم السلطان التركي) بهدف استقطاب المشاهد عبر إثارة أجواء النستولجيا وأمجاد التاريخ الإسلامي التي أثارها المسلسل التركي في وجدان العالم العربي؟ ولكنها لم تكتف بهذا بل أخذت تنقل مشاهد وشخصيات كاملة من المسلسل التركي (قص ولزق) فإلى هذه الدرجة تعاني مخيلة كتاب السيناريو لدينا من الجدب؟ هذا عدا الأخطاء التاريخية في أحداث المسلسل والشخصيات حيث تقديم الخديوي اسماعيل كمزواج غارق في الحرملك، وهذا فيه ظلم لتاريخه الاصلاحي الذي أسهم من خلاله في تأسيس أول برلمان منتخب في الشرق (قبل تركيا) وأسهم بشكل كبير في نهضة مصر الحديثة، هذا على مستوى كتابة النص، فإذا انتقلنا إلى إخراج المشاهد والتحكم في السياق الدرامي وجدناه مرتبكا ضعيفا والكاميرا بطيئة والأحداث ممططة والشخصيات مبتورة وغير منطقية على سبيل المثال شخصية الوالدة التي أدتها (يسرا) بتسريحات شعرها الثقيلة وأمتار فساتينها التي تظل ترتديها ليل نهار، رغم هذا عجزت عن تقديم شخصية والدة الخديوي بخصوصية مقنعة، لاسيما بعد أن لجأت لتقمص شخصية تركية نمطية جاهزة من أفلام الأسود والأبيض كانت متداولة وتقدمها الكوميديانة (ماري منيب).. كثيرة هي الثغرات ولست متخصصة ولكننى مجرد مشاهدة. لاداعي هنا أن نستعيد الكليشة المعروفة عن دور الدراما في حياة الشعوب، وان الحضارات جعلت للمسرح والدراما دورا تطهيريا في أعماق المتلقين ونفوسهم منذ زمن أرسطو، وإن الدراما هي التي ترهف الأحاسيس وترقى بالذوق، تصنع الرأي العام وتوجهه، وأن الولاياتالمتحدة تقود العالم ليس بطياراتها وبارجاتها فقط بل بالقوى الناعمة التي تكمن في أستديوهات هوليود والتي تسهم في صناعة مزاج عالمي منسجم مع مبادئ وقيم الإمبراطورية الأمريكية. آخر فيلم هوليودي شاهدته هو فيلم (ميلفسنت) من انتاج ديزني وبطولة انجلينا جولي، والفيلم هو تفكيك لأسطورة (الجميلة النائمة ) ومن ثم إعادة بنائها بشكل جديد ومبهر، عبر حكاية إحدى الجنيات (انجيلينا جولي)لتي تلعب دورا رئيسا في دفع الأحداث بشكل يختلف مع تفاصيل حكاية الجميلة النائمة، ورغم أن الفيلم لم يخرج عن نطاق الإبهار الهوليودي، إلا أن متانة الحبكة، والتشويق، والحوار المختصر المكثف، وفي النهاية جماليات الصورة السينمائية الأخاذة الذي تجعل من كل مشهد لوحة فنية مبهرة.. تجعلنا عند مغادرة دار العرض مأخوذين نتأكد بأننا شاهدنا عملا فنيا متكاملا ناجحا. بالتأكيد ليس من الإنصاف أن أعقد مقارنة بين هوليود التي تمتلك صناعة عريقة وقوية وحرفية في صناعة الصورة، وبين ما يحدث لدينا في العالم العربي، حيث ما برحت صناعة الدراما تعيش على الهامش والأطراف مطوقة بالمحذور والعيب والانتقاص من الذين يعملون بها، بالاضافة إلى ندرة المؤسسات الأكاديمية المختصة التي تخرج مهنيين محترفين، ناهينا عن الفتاوى التي تصدر على رأس كل موسم بالتفسيق والتبديع والتخطيء، وجميع المعوقات التي تتربص بهذه الصناعة. ومع الأسف في النهاية نصل إلى أن الدراما لدينا مفرغة من الدراما.