وجهت أحداث المسلسلين التركيين المدبلجين " سنوات الضياع " و " نور " رسالة بالغة الأثر وهزة عنيفة إلى العاملين في الأوساط الدرامية العربية من منتجين ومخرجين وفنانين فأصبحوا يتوجسون خيفة من عدم نجاح أعمالهم القادمة وقبول المتلقي العربي لإبداعاتهم بالحماس المعتاد لأن المشاهدين مازالوا يعيشون على ذكريات أحداث هذين المسلسلين بعدما كانت أحداث مسلسل " باب الحارة " و " الملك فاروق " و " طاش ما طاش " هي حديثهم بين جلاسهم ويتبادلون رسائل الجوالات تندرا بأحداثها ولا أعلم إن كانت الأعمال الدرامية التركية التي سبق عرضها في قنواتنا العربية مقصودة وموجهه لمسح الصورة التي رسمتها المسلسلات العربية والتي تصور واقع الحال أثناء الحكم العثماني للوطن العربي وغلاظة هذا الاحتلال أمثال مسلسل " الخوالي " و " جمال باشا " وغيرهما من الأعمال الدرامية فجاءت هذه المسلسلات الغارقة في الرومانسية المفرطة والمفتعلة لتمسح تلك الصورة العالقة في أذهان المشاهد العربي وتظهر الإنسان التركي بأنه مثال للرقة والوداعة والشاعرية المزيفة . و أعود إلى هذين المسلسلين الأخيرين فأنظر إليهما من منظور نفسي واجتماعي وأعتقد جازما أن سر الإقبال على مشاهدة العمليين الدراميين بهذه الكثافة من المحيط إلى الخليج يرجع إلى إرهاق المشاهد العربي بدراما العنف والقتل والطلاق والخيانة الزوجية والضياع بالإضافة إلى الجفاف العاطفي الذي تشهده الأسرة العربية داخل البيت الواحد فالأب مشغول بارتفاع وانخفاض أسعار الأسهم وموجة الغلاء، والأم منهمكة بمناسباتها الاجتماعية وسهراتها المخملية، والأبناء منجرفون خلف النوافذ الإلكترونية الإنترنت والماسنجر والبلايستيشن فضلا عن السهر المتواصل، فجاءت هذه المسلسلات بلسماً وهمياً لكل الجراح وردة فعل لكل الإسقاطات التي يعاني منها المجتمع . ومنها أوجه دعوة إلى كتاب الدراما العربية وخبرائها لمراجعة الحسابات وتقديم فن راق يترك أثراً إيجابياً بعيداً عن العواطف المجمدة التي تحرك مشاعر ووجدان المتلقي بالأحداث المفتعلة والصور المبتذلة . و كم أتمنى أن تدرس المعاهد الفنية في العالم العربي سر هذا الإقبال على مثل هذه الأعمال التركية فتقيم ورش العمل وتأخذ باستطلاعات الرأي العام لاكتشاف أوجه القصور والنقص في الحبكة الدرامية والوسائل الفنية والتقنية التي تبهر المتابع والمشاهد العربي بأحداثها .