يظهر لنا تباعاً كيف يخضع الفرد للإرث الذي يسوغ ثقافته وحياته بشكل عام، ثم يتم تحويله إلى أداة وفقاً لمقتضيات قائمة على المصلحة والسياسة الواقعية، حيث يلزم التسليم بالضرورة التي تنتج عنها. إن اللامساواة في السياسة الخارجية التي تتبناها الدول العظمى تستجيب لمقتضى مبدأ التباين، فالحقيقة النسبية قولا وفعلا متغيرة حسب المصالح والرغبات والسياسات، وبالتالي سيكون تعثر حظوظ البشر مرتبطا بالمغالطة التي ترفض هذا الإشكال وأحيانًا كثيرة تقبله بدواعي الحقائق التي تعتمد على التناقض والنزاع، و قد أعتبر هذا الجزء من الإشكال لصالح دول تمثل الرأسمالية ولعل السياسة المنحازة لصالح الاحتلال أبرز الأمثلة على اللامساواة والكيل بمكيالين. عندما نركز على المجتمع الدولي نجد أنه منح إسرائيل صلاحية مطلقة، تعتمد على الإرث الذي تقاسمه اليهود، وتوجته الجهود المبذولة لصالحهم على حساب فلسطينالمحتلة، بزعم واعتقاد لنزع الملكية في عقول دونت إرثاً من المغالطات. فضلا عن الملابسات التي تعبر عن مناورة مختلة تتعارض مع مبدأ الإنسانية والعدل، وتترك الملكية جانباً وتحمل مسؤولية باطلة وغير مشروعة. ولهذه الأسباب استند التاريخ المعاصر على المجتمع الدولي الذي فشل في حفظ حقوق الشعوب التي واجهت القتل والتنكيل والتشرد دون ذنب، وأمن الحماية لدول تقتل العزل بالصواريخ والأسلحة الفتاكة وتهدم البيوت على أهلها وتنتهك حقوق الإنسان وتمارس القمع بكل وسائله، ولاشك أن الحماية وفق هذا المنظور تؤدي إلى تلك المظالم، وتقود إلى اعتقال التشريعات التي عظمت شأن الإنسان وحافظت على حقوقه في الحياة، ولكن لم نر إلا مجموعات متفرقة تعمل بحرية لتفرض باطلاً يتنافى والعقائد الدينية والكتب السماوية. وعندما تؤيد الولاياتالمتحدة الحرب غير المتكافئة، فإن هذا القرن لن يجد أي تطور للعقلانية، وستسقط كل المقولات والمنظومات التي تنطبق على ثوابت العقل الغربي. إن الأدوار التي تمثلها الدول العظمى، غير متلائمة مع الشعارات البراقة التي ترفعها تلك الدول، وليس في الوسع تخطي دور روسيا والصين اللتين ساندتا بشار في القضاء على شعبه وكذلك الحال بأمريكا التي تؤازر إسرائيل وتدعمها في قتل النساء والأطفال والشيوخ. وقال تعالى في سورة الأعراف: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (167) فمن الواضح أنه عصر تقنية السلاح والقتل، وموقف جان روستان من العلم والعلماء موقف وصفه بقمة الانحطاط في شأن كارثة هيروشيما، عندما كتب في مجلته الأدبية الشهرية (ينبغي القول أن العلم بسبب هذه المغامرة الوخيمة أصبح متورطاً ومتداخلاً فيه على نحو بلغ من العمق والطابع المباشر ما لم يسبق له مثيل، لم يعد الأمر يتعلق بتطبيق تقني يمكن للعلماء أن يتجاهلوه، فلقد ساهمت فيه أرقى العلوم، وشاركت فيه أسمى الضمائر العلمية التي تورطت بتبصر وإرادة في الجريمة، ولن يكون سهلا على العلم أن يُطهر نفسه من هذا التواطؤ المؤلم). قد تفوق هذا الجانب على توظيف التقنية عنها في الجوانب الأخرى السلمية والعلمية التي دفعت بحجج أخرى ومزاعم، لا تعترف بالانضباط الأساسي لحماية البشر من الفناء المنظم و بالتحديد في الشرق الأوسط الذي تُحاك المؤامرات ضده وتؤسس أفكار مضطربة حوله، و تزج بالتحديات والعنف والإقصاء بين البشر. أن قوانين الفكر التي يجري عليها بناء المنطق لا تعتبر ممارسة لطرق التفكير ولا تطابق قوانين الواقع، الذي تعيش فيه الدول المتقدمة. وهذا أدى إلى وصفهم بداء ازدواج الشخصية، وخلق مجتمعات متطرفة ومتعددة الطوائف تتعارض مع العصر.