حين تراجع تاريخ إسرائيل العسكري تلاحظ أنها تستغل انشغالنا (وأحيانا انشغال العالم بأي حدث) لتحقيق تقدم استراتيجي جديد.. تستغل انشغالنا برمضان أو كأس العالم أو حروبنا الطائفية في العراق وسورية لفرض واقع جديد في غزة والضفة ودول الجوار.. ففي كأس العالم 1982 مثلا شنت حربا على لبنان وصلت فيه الى بيروت، وفي رمضان 1414 استغلت مجزرة الخليل لتقسيم الحرم الإبراهيمي بين اليهود والمسلمين.. وهذا العام جمعت بين الحدثين (رمضان وكأس العالم) لتدمير غزة بحجة جريمة حدثت في الضفة الغربية. المؤكد أن ضعف الأمة العربية - وانشغال أبنائنا ومشايخنا في الصراعات الطائفية - يشجع إسرائيل على صفعنا باعتداء جديد في كل فرصة تسنح لها.. المؤكد أنه لا يمر عام إلا وتصفعنا بحرب أو مجزرة أو احتلال جديد بحجج تنتقيها لاحقا.. فهي تدرك أن توالي النكبات ينسينا القديم ويشغلنا بالجديد، وأن كثرة الضرب ينتهي بتلبد الاحساس وتجاهل الألم. فما يجري حاليا في غزة ينسينا مثلا المجزرة التي حدثت في نفس الوقت تقريبا من رمضان 1414.. ففي الخامسة والنصف فجرا، وبينما كان أكثر من ألف مسلم يؤدون الصلاة في الحرم الإبراهيمي انهال عليهم الرصاص من كل جهة فقتل منهم على الفور أربعين ساجدا وأصيب ثلاث مئة آخرون. وكان المنفذ الرئيسي للعملية طبيب يهودي يدعى باروخ جولد شتاين هاجر من أمريكا قبل اثني عشر عاما واصبح واحدا من ابرز زعماء حركة كاخ المتطرفة. وبسبب حقده التاريخي على الفلسطينيين قرر المشاركة في إبادتهم كما تطلب التوراة وكيهودي أصيل لم ينس أن يؤمن على حياته قبل يومين من الحادث ب83 ألف دولار لدى بنك ليؤمي الاسرائيلي!! وفي تصريحها الرسمي قالت الحكومة الإسرائيلية إن الحادث قام به شخص مختل عقليا وبمجهود فردي وهو العذر المعتاد في حوادث كهذه. إلا أن الدلائل تكذب هذا الادعاء وتشير إلى أن الحادث نفذ من قبل عدد من مستوطني كريات أربعة وشارك فيه - لاحقا - الجيش الإسرائيلي. وبالطبع معظمنا ملم بتاريخ المجازر التي قام بها اليهود ضد العرب (من مذبحة دير ياسين وقرية قبية إلى صبرا وقانا ومجازر غزة الحالية) إلا أن مسجد الخليل بالذات اكثر مكان تعرض فيه المسلمون لاعتداءات منذ احتلال المدينة عام 1967 وحتى تقسيمه بعد المجزرة مناصفة بحجة عزل الطرفين وكأن لليهود فيه حقا قبل ذلك!! ورغم عدم جواز مساواة الضحية بالجلاد أتساءل أين كان المصلون من قوله تعالى: "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة".. أتساءل؛ ألا تنطبق هذه الآية على قطاع غزة والأمة العربية كاملة حيث الغفلة حتى بحجة الصلاة والعبادة (ناهيك عن أي حدث دنيوي آخر) تشجع إسرائيل على الميل علينا في كل عام مرة أو مرتين!! .. لا أتوقع منكم تذكر هذا المقال في رمضان القادم، أو كأس العالم في روسيا 2018.. ولكن إرشيف العمليات العسكرية يؤكد أنها اعتداءات تتكرر (بشكل دوري) وكأن إسرائيل تملك جدولا يتناسب مع الصراعات العربية والانشغالات العالمية.