ينشغل شريحة من الناس في تداولات مجالسهم وقنوات التواصل الاجتماعي بمواضيع هامشية، كحديث عن ما قاله فلان من قول شاذ ومن رد فلان عليه، أو تصنف فلان إن كان علمانياً أو ليبرالياً أو حداثيا، وتدور دائرة الاهتمامات في مثل مواضيع كهذه في الوقت الذي يعاني المجتمع من مشاكل جوهرية تنخر في عضده كالفساد الإداري والتعصب والمحسوبيات والعنصرية والغش وتدهور التعليم وفساد الموظفين وغيرها كثير. ولعلي أن أعرج على لب مشكلة المشاكل أنها راجعة لشعور كل موظف بعلو نرجسيته أمام مراجعيه في الوقت الذي يشعر فيه المراجع بدنو شأنه أما صاحب المسؤولية، والغريب في الأمر أن هذا الدور ممكن أن يكون عكسياً، بحيث يلعب هذا المواطن الذي يراجع دائرة ما دور المتسلط في وظيفته ويلعب ذلك الموظف المتسلط دور المستضعف حينما يراجع دائرة ليست بدائرته. هذه الظاهرة حاولت وزارة الخدمة المدنية على معالجتها لسنوات طوال وسنت لوائح عقابية وأخرى تحفيزية لأجل إصلاح حال سلوك المواطن حينما يكون على موقع المسؤولية، ولن أخوض في عدد الدورات التي تقدم للموظفين لأجل إصلاح سلوكهم، ولن أخوض في حديث طال صيته في المطالبة بتغيير اللوائح والتي بسببها يستمرئ بعض الموظفين في التجرؤ على خرق الانضباط في العمل، ولن أتحدث في لوائح فصل الموظف الذي ينظر اليه البعض انه العمود الفقري لفساد سلوك أي موظف. لن أكرر ما قاله الاخرون، وسأختصر مقترحاتي لوزارة الخدمة المدنية في بندين اثنين. الاقتراح الأول: هو تغيير عبارة "الموظف" إلى عبار "أجير"، وأظن أن عبارة أجير وردت في نصوص متعددة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والأجير هو من يتقاضى أجراً لأجل قيامه بعمل ما، وفائدة هذا التغيير هو نفسي بدرجة أولى وله تأثير كبير على كل من الموظف والمراجع، فهذا الوصف "أجير" عندما يستشعره كل موظف فإنه يصحح في عقله الباطن ما درجت عليه قناعته من أنه "صاحب السلطة" و "صاحب الأمر والنهي" و "صاحب تسهيل الحاجات أو تعطيلها"، ويحل محل الشعور المتبختر أنه ليس إلا مجرد "خادم" للوطن والمواطنين وأنه ليس صاحب شأن يتفرد به. أما الاقتراح الثاني: أن توضع لوحة خلف مكتب الموظف تحمل عبارات صريحة، تقول "اتقاضى راتباً لكي أخدمك"، وهي عبارة تشعر المراجع بمكانته الطبيعية من أن الدولة وضعت هذا الموظف لأجله هو وأنها صرفت لهذا الموظف أو "الأجير" راتباً لكي يخدمني ويقضي حاجتي وليس لكي يستعلي ويشعرني بفضله علي. هذان الاقتراحان ذكرتها بشكل مختصر، وبإمكاني تفصيل الحديث عنهما بشكل اكثر اسهاباً، وكل ما أردت التركيز عليه هو معالجة الجانب النفسي الذي يصاحب كل من الموظف والمراجع على حد سواء، فكبرياء الموظف يتعالج بتبصيره وخجل المراجع يتعالج بتنويره، دون الحاجة للخوض في سن قوانين تنظيمية جديدة ربما لا نفيد منها إلا زيادة في سرعة دوراننا في حلقة الانظمة. * د. خالد عبدالله الخميس جامعة الملك سعود – كلية التربية