ببالغ الغبطة والسرور قرأت خبر توقيع مذكرة اتفاق إنشاء صندوق الوقف الصحي من قبل معالي وزير الصحة الدكتور حمد بن عبدالله المانع ومعالي الشيخ الدكتور صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وبهذه المناسبة أبارك لهما هذه الخطوة التاريخية وأرفع لمعاليهما هذا المقترح راجياً أن يرقى إلى مستوى طموحاتهما ويحظى بعظيم اهتمامها فأقول: العالم في هذا العصر يموج بين العديد من الآراء والنظريات التي تعنى ببدائل معالجة البشر سواءً علاجاً نفسياً أو عضوياً أو اجتماعياً ولكل بديل من هذه البدائل علماؤه وباحثوه وممولوه الذين يبذلون الغالي والنفيس من الجهد والمال الوقت في سبيل التعمق في البحوث والدراسات العلمية للتسابق مع الآخرين في الوصول إلى نتائج جديدة علماً أن تلك الآراء والنظريات من أقوال البشر وعرضة للخطأ والصواب والتغيير بين لحظة وأخرى. وخلافاً لما ذكر أعلاه فإنه يوجد في أصول الدين الإسلامي الحنيف من قرآن وسُّنَّة نصوصا واضحة، صريحة، صحيحة لا تقبل الجدل ولا الشك لأنها من كلام الله سبحانه وتعالى الذي خلق الكون وقدر مقاديره وخلق الإنسان من نطفة ذات أمشاج فجعله سميعاً بصيراً وصوره في أحسن صوره ويعلم ما ينفعه وما يضره. أو من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى. وأعني بهذا تلك النصوص التي تتكلم عن أمور الداء والدواء وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، قول الله تعالى: {هو للذين آمنوا هُدى وشفاء}، وقوله جلَّ شأنه: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالشفائين القرآن والعسل»، وقوله صلى الله عيه وسلم: «أعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم ينزل داءً إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله»، وكذلك النصوص الواردة في الرقية والحجامة والكي والفصد وعلم الأجنة والحبة السوداء والسنا والأراك وغيرها من الأعشاب الأخرى. ويوجد الآن من يعالج ويتعالج على ضوء هذه النصوص وهناك من ينكر ويستنكر تلك التطبيقات والسلوكيات، أي أن الأمر عشوائي يضر أكثر مما ينفع لأنه يفتقر إلى الضوابط الطبية التي لا يمكن أن تتأتى إلا عن طريق البحث العلمي ليس لإثبات صحة تلك النصوص فهي لا تقبل النقاش، وإنما لمعرفة التطبيقات العلمية الصحيحة لتلك النصوص واستخلاص العناصر النافعة من المواد الواردة بتلك النصوص، فكلنا يعلم أن كل ما تنتجه النحلة هو عسل، ولكن يختلف طعمه ورائحته باختلاف الغذاء الذي تتغذى عليه النحلة وقت الإنتاج، فهل تختلف فائدته العلاجية؟ ومن هذه المعطيات فإنني أناشد صاحبي المعالي حفظهما الله: وزير الصحة الدكتور حمد بن عبدالله المانع، ومعالي الشيخ الدكتور صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد والعاملين على صندوق الوقف الصحي بأن يخصصوا مبلغاً دائماً من إيرادات صنوق الوقف الصحي للصرف على البحث العلمي المركز على تلك النصوص الإسلامية التي تنص على شئون الداء والدواء، لعل الأمة الإسلامية ممثلة في المملكة العربية السعودية تخرج للعالم ببديل ناجع في شئون الداء والدواء الذي اعتبره واجباً من واجبات المسلمين لا يقل أهمية عن واجب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة حيث أن الصحة (العافية) تعتبر من أولويات البشر في الحياة الدنيا ومن مقاصد الشريعة الإسلامية علماً أن في أصول الدين الإسلامي كنوزاً لم يطلع عليها الآخر ولم نقم نحن بإبلاغها إليه كما في علم الأجنة وغيرها من العلوم التي لا يتسع المقال لذكرها، وإنني متيقن بإذن الله أن المحسنين من أصحاب المال والأعمال سواء سعوديين وغيرهم سوف لن يترددوا عن الوقف والتبرع لمثل هذا المشروع لأن نفعه سوف يعم جنس البشر كافة في كل أصقاع المعمورة مسلمين وغيرهم. وإنما أقول بهذا الاقتراح خوفاً من انتشار العشوائية والفوضى في أمور العلاج والتداوي ومن ثم ضياع الناس بين الأطباء والمقرئين والحجامين والكوائين ولا تنس الحلاقين الذين يمارسون الحجامة والجراحة التجميلية باستئصال بعض الزوائد الجلدية واللحمية والذين يعملون بتراخيص رسمية وبدونها، وقد لا يتوقف الأمر هنا بل قد يحس بعض المرضى بأنهم لم يشفوا - ولا يعلمون بأن تلك إرادة الله جلّ شأنه حيث أن الله هو الشافي وما الأدوية إلا أسباب - فيصابوا بالإحباط واليأس والقنوط فيلجأوا إلى السحرة والمشعوذين والدجالين وما أكثرهم. وليست الأمة الإسلامية بمنأى عن نتائج العشوائية والفوضى في الممارسات والقول على الله بلا علم، حيث تعيش الأمة الإسلامية عامة والمملكة العربية السعودية خاصة حالياً فتنة عظمى ومحنة كبرى تسبب فيها أرباب الفكر المنحرف من الفئة الضالة تلك الفئة التي وبكل أسف شارك معها ثلة من أبناء هذا البلد وممن تربوا على أرضه وتنعموا بنعمه بل وتعلموا في مدارسه ونصبوا أنفسهم لفترة طويلة وعاظا ومنظرين يستمع إليهم العامة ولم تنكر عليهم الخاصة لأنهم يقولون قال الله وقال رسوله، غير أنهم يفسرون النصوص الشرعية على هواهم ويعمدون إلى تبني الآراء المتطرفة والشاذة ويخرجون عن إجماع الأمة فحصل ما حصل والعياذ بالله من الإرهاب والتفجير والترويع وسفك الدماء المحرمة وإهدار الأموال وإشغال أجهز ةالدولة عن أمور التنمية والتطوير بل وأهم من ذلك كله أعطوا أعداء الإسلام فرصة لتشويه الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين علماً أن الإسلام براء من كل تلك السلوكيات الفردية التي لا تعبر عن السلوكيات الفردية التي لا تعبر عن السلوكيات الخالصة النقية التي يتميز بها دين الثقلين من الإنس والجان، وفي الختام أسأل الله الإخلاص في القول والعمل.