"الكرامة" إحساس معنوي يعني أن لا تعيش ذليلاً لأي شخص، سواء من ناحية مادية أو عاطفية أو حقوقية، حيث يراها الكثير "خطاً أحمرَ" لا يُمكن تجاوزه، إلاّ أنه في النهاية قد تقود إلى فراق حبيب أو هجر صديق أو عدم تحقيق حلم!. وكثيراً ما تراود على مسامعنا انتهاء علاقات أشبه ما تكون قوية بين أصدقاء وأحباب بسبب تمسك الأطراف ب"كرامتهم"، أو عدم ترقية موظف في عمله؛ لأنه لا يود أن يكون "صغيراً" في نظر زملائه من أجل التودد إلى مديره!. وعلى الرغم من حساسية "الكرامة" لدى البعض إلاّ أن الحاصل في الوقت الحالي هو تقديم التنازلات عنها، فمن يعشق لابد أن يتنازل عن كرامته من أجل الحفاظ على عشقه، ومن يُقدّر صديقه لابد أن يصفح عن "زلاته"، ومن يريد تحقيق غاياته وأهدافه في الحياة لابد أن يُخفّف من حدة تعاملاته مع الآخرين، لتصبح كرامة لا تمثّل شخصية الفرد نهائياً. كرامة وحُب وقالت "بدور أحمد": إن الحُب والكرامة في رأيي لا يجتمعان، فالحُب يتطلب الكثير من التنازلات والتي لا تتوافق مع مبدأ الكرامة، مضيفةً أن الحُب معروف بالعمى فمتى طغى يجب عليك توديع كرامتك، مبينةً أنه دائماً ما تبدأ الكرامة بالانخفاض حينما يتسلل العتب إلى العلاقة، فتتحول إلى وابل من الإهانة اللفظية، والتي برأيي أنها أعمق وأكثر جرحاً لما فيها من سبق بالإصرار ووعي تام بإنزال كرامة الشريك وإلغائها، ناهيك عن الإهانة الفعلية التي تعبّر عن حقارة الشخص ودناءته، مؤكدةً على أنه إذا تسللت إلى حياة الأزواج خربت. وخالفتها الرأي "هيام سعد"، قائلةً: إن الكرامة مساومة لابد أن تنخفض لترتفع أسهم الحُب، مضيفةً أنه لابد أن توزن وتضبط، مبينةً أنه لو كانت مقدمة على الحُب لأنفصل الشخصان، فمن يحب يحترم حبيبه ويرفع من قدره ولا يُنزل من أهميته، ذاكرةً أن العديد يرى أن العتب هو إهانة، إلاّ أنها تراه توضيح خطأ بطريقة سمحة، إلاّ أنه لابد أن يكون بعيداً عن الآخرين، مشيرةً إلى أنه متى ما كان العتب بين اثنين حقق معناه وحفظ كرامة الطرفين. وأوضحت "أم عبدالله" -موظفة قطاع خاص- أن البعض يرى أن تقديم خدمات بسيطة من كأس شاي أو تأدية أغراض شخصية لا علاقة لها بالعمل إهانة!، مضيفةً: "توددي لمديرتي أو مديري ضرورة تخدمني وتخدم العمل؛ لظروف ألمت بي لم أكمل دراستي، فشهادتي ثانوية، أمّا زميلاتي بالعمل أغلبيتهم جامعيات، وأنا أطمح لرئاسة قسم أو أن أكون نائبة، ولن يتحقق لي ذلك بالعمل الشاق فقط، وإنما بعلاقاتي وتوددي لأصحاب الشأن". وذكرت "سارة محمد" أن البعض "وجهه مغسول بمرق"، لدرجة يصل به التودد الفائض والمبالغ لمديره بالعمل، من أجل ترقيه أو زيادة بالراتب، متخلياً بذلك عن كرامته وقيمته الإنسانية، مبينةً أن من يتعذر بالمادة فقد أذن لفقر الكرامة بالدخول إلى منزله، مؤكدةً على أنها لا تحتاج لأن تكون "متملقة" لتُحقق طموحها، لافتةً إلى أن سر تحقيق الطموح هو الجهد والمؤهل العلمي فقط. كرامة الذات وتحدث "مازن الفريح" -استشاري أُسري- قائلاً: إن الإنسان كُرم بالخلقة، حيث خُلق على أحسن حال، قال سبحانه وتعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً"، مضيفاً أنه كُرمت ذات الإنسان فأمُرت الملائكة وإبليس بالسجود له، فتحققت له كرامة الذات والتفضيل وميز عن بقية المخلوقات، ولا ننسى تكريم العقل لاستيعاب العلوم الدنيوية، مبيناً أن الإنسان جُبل على التكريم والرفعة من الشأن، ولاشك أنها سمة إنسانية مهمة، ذاكراً أن كرامة المرأة تقع تحت مظلة الأسرة من حيث العدل والحق في الكرامة والاحترام والحقوق والواجبات، حيث تبدأ أولاً من حيث أصل الخلقة كما قال سبحانه وتعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى"، لكن هذا لا يعني اختلاط المساواة في بعضها، فالعديد من الآيات وضحت لكل جنس حق حتى تتحقق الكرامة فيه، مشيراً إلى أن النساء لهن مثل ما عليهن، فكرمهن الإسلام وأوجب عليهن العديد من الواجبات، أولها تحققت في حق الزواج، ألا وهو اختيار الزوج، فكيف ما تشاء تختار هي شريكها وما يناسبها ويوافقها. وأضاف أن لكل جنس حقاً وواجباً مختلفاً، فتوزيع الأدوار فطرة بشرية، فالرجل يحتاج المرأة لتكون له سكناً والمرأة تحتاج إلى رجل يكون لها سنداً، فكرم الله الرجل بالقوة وكرم الله المرأة بالسكن والرحمة، مضيفاً أن من تكريم الله أن وضع لكل إنسان حق ملكية لا تلغي بضعفه مهما كان، فمثلاً المرأة لها ملكيتها المستقلة، فلا يجوز الاعتداء على مالها سواء كان مالاً شخصياً أو تركة ووراثة، بل حتى ما يعطيه الزوج لزوجته فقبضته فلا يحل له أخذه، ذاكراً أن اعتداء الرجل على مال زوجته هو إهانة وتعدٍ على كرامتها كما هو الحاصل من إجبار الزوج على أخذ القروض باسم زوجته ليهجرها بعدها أو يبحث عن غيرها، أو من يصادر بطاقتها المصرفية فيستمتع بمالها من غير وجه حق. وأشار إلى أن للأبناء حق الكرامة باختيار أسمائهم، كما تتحقق الكرامة المطلقة لهم بالعيش الكريم والتعليم وعدم التفرقة بينهم سواء كانوا من جنس واحد أو من ذكر وأنثى، مضيفاً أن كثيراً من الآباء لا يراعون استقلالية أبنائهم فطريقة تعاملهم تعتمد على أسلوب الأمر، مُشدداً على أهمية منح الأبناء القوه الداخلية النابعة من احترام وتقدير ذاتهم، حتى نحفظ كرامتهم، وحتى يستطيعوا أن يتصدوا لعوائق الحياة، مشيراً إلى أن هناك دراسات أثبتت أن أسباب تميز الأطفال والمراهقين الذين يتصفون بأعلى درجات من احترام الذات هم هؤلاء الذين يتمتعون بالحب والاحترام والكرامة من ذويهم.