كم حمامة ستطير وتنثر أجنحتها في الفضاء، وكم ابتسامة سيشرق بها وجه المملكة ؟ وكم أغنية ستدق أبواب الفضاء باحثة عن مستمعين لها؟ كيف تنفتح قلوبنا على الداخل، وتتجلى المحبة والولاء ؟ كيف نبدأ ماراثون الحب للسياحة الداخلية بالمملكة؟ أسئلة كثيرة وعديدة روادتني بعد ان زرت شواطئ محافظة (أملج ) فقد كنت في رحلة عمل لتلك المنطقة، وكعادتي العنيدة وحبي للبحث والاكتشاف لا اترك مكاناً أزورة إلا وأتجول به وأتحدث مع أهله للتعرف على عاداتهم وبحثاً عن شيء مختلف. بهرتني أملج بشواطئها النقية جداً، هي مكان مثالي للنقاهة والهروب من ضوضاء الحياة، طلبت من أحد المرافقين لي أن يزودني بمعلومات تاريخية عنها، وفعلاً كان لي ما أردت حيث إن محافظة أملج كانت قديماً تسمى بالحوراء وهي ميناء يوناني قديم يعرف باللغة اليونانية باسم (لوكي كوما)أي (القرية البيضاء)، وعند تجولك في شوارعها وطرقاتها تجد اسم الحوراء في كل مكان، والحوراء ذكرت في العديد من كتب التاريخ، ووصفها الرحالة والمؤرخون بأنها بقعة على مقربة من البحر الاحمر فيها عين عذبة يتخللها النخيل، وكانت الحوراء أشهر ميناء على البحر الاحمر في الحجاز، كما أنها تنتشر بها أنواع كثيرة من الأطيار والنباتات والأشجار، وقد بهرتني مزارع (المنقا) بجمالها وكثرتها، فالطبيعة فيها متنوعة، فمن البحر والساحل الى البر والماء العذب والزراعة، كذلك يوجد بها 102 جزيرة. والغريب إنني لم أر أي مشاريع استثمارية تنبئ عن حراك للمحافظة، وأين هيئة السياحة لتستثمرها فعائداتها سوف تكون مربحة جداً، وعلى حسب رواية أهل المحافظة إنها في الإجازات تمتلئ بالسياح من داخل السعودية، وهذا مؤشر قوي على إنها مطلوبة وهناك من يقطع آلاف الأميال لزيارتها، ولكنها تفتقر لمطار خاص بها حيث أقرب مطار يوصلك بها هو مطار يبنع ويبعد تقريبا (135) كيلومتراً عن محافظة أملج، أو مطار الوجه ويبعد تقريبا (165) كيلومتراً، ما المانع أن تستقل هذه المحافظة الجميلة والغنية ب الطبيعة الجميلة، وما المانع ان يوضع لها خطة لتطويرها والاحتفاظ بإرثها التاريخي، والتباهي بجمالها الناعم الهادئ. ومن خلال رحلاتي الكثيرة حول العالم واطلاعي على الكثير من الأماكن السياحية، أجزم أن هذه المحافظة والكثير من المدن والمحافظات المليئة بعبق التاريخ والآثار والجمال المهمل لا تنتظر إلا الإيمان بأهميتها، وبأنها ستشكل مصدر دخل آخر للمملكة، فنحن نحتاج اقتصاديًا ثقافة التنوع في مصادر الدخل، ونحتاج اجتماعياً التعرف على ثقافة السياحة ونحاول أن نعزز وجودها في حياتنا، فالسياحة والانفتاح على الآخر تقضي على الكثير من التزمت الفكري ورفض الآخر، وبحكم إني مواطنة عاشقة لثقافة السفر والسياحة، انتظر من هيئة السياحة والآثار وعلى رأسها الأمير سلطان بن سلمان أن يتحفنا بخطة استراتيجية لتفعيل ثقافة السياحة الداخلية، وقبل كل هذا تهيئة وتزويد المدن والمناطق السياحية في المملكة بكل الخدمات التي تساعد السائح على التمتع بإجازته الداخلية بكل راحة ورفاه. وتدريب كوادر بشرية على عرض إرث هذه المناطق السياحية بشكل جذاب وممتع.