قدم الأستاذ محمد المسباح مختارات من الأعمال الغنائية التي تعد أرشيف الكويت الغنائي في القرن العشرين في سهرة سجلت لصالح "صوت الخليج"، وإعادة تسجيل هذه الأعمال تعد حدثاً بقدر ما أنها تعبر عن مسيرة تمكن من ترسيخها المسباح بكل جدارة. هنا قراءة لها في حلقة ثالثة. ففي الخليج العربي تقام السمرات لكل طبقة بحسب إمكاناتها وغاياتها. إنها حفلات تقيمها نخبة القوم في المدن من الطبقات البورجوازية والتجار. كما أن البحارة أيضاً يقيمونها ولكن في إطار أقل تواضعاً. (مطر، 19791، 29). ولم يقف أداء الصوت عند فئة واحدة يحضر لها وينصت، بل شارك في أدائه أبناء الأسر الكبيرة وأثرياء بيوت التجارة، وهو في الآخر جزء من مجتمعاتهم، وفي هذه الدور تزول الفوارق في مشاركة متع الحياة كالغناء والرقص. وتنطبع في ذاكرة القرن العشرين في الخليج العربي صورة المغني محمد بن فارس (1895-1947) أحد من زاولوا هذا الفن وتعلمه من أخيه: عبد اللطيف (1887-1961)، وعلمه أخاه: صقر (1902-1948) بالإضافة إلى تلمذة شخصيتين أخريين على يديه: ضاحي بن وليد ومحمد زويد. إن ظهور حالة محمد بن فارس مغنياً وعازف عود، وأخويه: عبد اللطيف وصقر، تتصل بالذاكرة العربية إلى الأمير العباسي إبراهيم بن المهدي وأخته المغنية علية في القرن الثامن الميلادي، التي تنسب إليها جذور فن الصوت كأسطورة تفسيرية إليها عند بعض الرواة في الخليج العربي (مطر، 1979، 109) وصولاً إلى فريد الأطرش وشقيقته أسمهان في القرن العشرين. ولم تكن طبقة الأسر الكبيرة بعيدة عن الحياة الاجتماعية ففيها من كان شاعراً وموسيقياً وراعياً للفنون والآداب، وهي تقاليد ثقافية مستمرة. فقد عرف أن هؤلاء من طبقة "الشيوخ" من الأسر الكبيرة أو من كبار التجار في المدينة نفسها من يقيم السمرات ذات الطابع الاحتفالي في الكويت أو ذات الطابع الترفيهي بشكل يومي مثلما يحدث في البحرين وقطر. يختار لهذه السمرات فترات من السنة حين اعتدال المناخ بين شهري فبراير ومارس حين يتوجه بعض نحو مناطق منتعشة على حواف المدينة كالمزارع وما حولها بسبب الربيع وتسمى "طلعة بر" أو "كشتة" يقام فيها تلك السمرات.