قدم الأستاذ محمد المسباح مختارات من الأعمال الغنائية التي تعد أرشيف الكويت الغنائي في القرن العشرين في سهرة سجلت لصالح "صوت الخليج"، وإعادة تسجيل هذه الأعمال تعد حدثاً بقدر ما أنها تعبر عن مسيرة تمكن من ترسيخها المسباح بكل جدارة. هنا قراءة لها في حلقة ثانية. ولم تكن هذه الأعمال مجرد إعادات عابرة، فهي تتصل بالمحاولات المستمرة لقراءة هذه الفنون مجدداً حيث تنوقلت بعض أساساتها من ابن لعبون الذي أسس مدرسة فن السامري (البيئة القروية - الريفية) بفنونها اللعبونية والخمارية، وعبد الله الفرج المسؤول عن مدرسة فن الصوت المنتمية إلى (البيئة الحضرية – البحرية).. وحيث أنني أخصص هذه المقالة لفن الصوت، لما له أكثر من دلالة في ذاكرة الخليج العربي باعتباره ذي جذور ضاربة في الغناء العربي المتقن المتصلة تقاليده بمشتركات من العناصر والخواص في الحواضر العربية المتمثلة في مناطق جغرافية أربع أنتجت وزاولت فنوناً حضرية كالمقام العراقي والقدود الحلبية والدور المصري والمالوف التونسي والصنعة في الجزائر والطرب في المغرب (قطاط، 1991،148-149). إذ يمكن أن نعرف فن الصوت باعتباره نمطا أدائيا يمثل البيئة الحضرية (الواصل، 2006، 108)، ويعتمد على مختارات شعرية مخصوصة من عيون الشعر العربي، وطريقة تلحين مرتبطة في ثلاثة إيقاعات سداسية ورباعية (العربي والشامي والخيالي)، ويتكون من ألوان مرافقة إما تسبقه أو تختم به مثل استماع (الشامي والعربي)، وآلي (التحريرة)، ونمط راقص (الخيالي)، والختم (أغنية سريعة). إن لفن الصوت تاريخا تخفى في جوف الأسطورة، وهو ما سأشير إليه لاحقاً، برغم أنه يكشف مزايا حضارية تغطي أكثر من مجال اجتماعي واقتصادي وثقافي. لكون فن الصوت يعبر عن حالة اجتماعية لدور ووظيفة الفن في حياة مجتمع، ونشأة الدور (جمع: دار) المخصصة لمزاولة هذا الفن (دور البحارة ودور الزقرت)، (الزقرت: طبقة من الفرسان العراقيين في القرن التاسع عشر، والكلمة تعني في الخليج الشخص المتأنق) (الإسماعيل، 2000، 223)، وتحديد زمن مزاولة هذا الفن ليلاً، ونوع الندامى والحضور، والموقف الاجتماعي منه كظاهرة ذهنية وسلوكية ثقافية بغض عن النظر عن غايتها الترفيهية أو الوظيفية (العماري، 1991، 48). فقد نشأت "السمرة" أو مجالس الطرب بوصفها ظاهرة اجتماعية ترفيهية تحمل بقايا طقسية قديمة. وقد تناولتها في كتاب "سحارة الخليج" (2006) تحت عنوان "دور الطرب أو موسيقى الحجرة الخليجية" ( الواصل، 2006، 124-130).