تنبهنا الأحداث والتطورات الإقليمية والدولية السريعة، أننا في العالم العربي بكل أزماتنا ومشاكلنا، نحن المعنيون بمعالجتها، والبحث عن حلول حقيقية للمشاكل التي يعاني منها العالم العربي.. فالأطراف الإقليمية والدولية تستثمر أزماتنا ومشاكلنا، لتعظيم مكاسبها وتعزيز نفوذها وحماية مصالحها.. أما المشاكل والأزمات فجميع تلك الأطراف، تهرب من التورط فيها، والذي يعزز هذا المسار هو دخول الإدارة الأمريكية في نفق التردد والبعد عن الحسم وصعود نزعة الانكفاء وعدم التورط الميداني في أي ملف من ملفات العالم العربي ومنطقة الشرق الاوسط. لذلك فإن جميع الأطراف ليست على استعداد للتورط في مشاكل العالم العربي، إلا بما يعزز مصالحها أو ينسجم ورؤيتها الاستراتيجية للمنطقة. وبالتالي فإن نخب المنطقة وحكوماتها، هي المعنية بوحدها بمعالجة مشاكل المنطقة. ومن يعول على الأطراف الدولية أو الإقليمية في هذه الملفات، فجميع التطورات تثبت أن جميع هذه الإطراف ليست على استعداد للانخراط الفعال في معالجة مشاكل العالم العربي الكبرى. وثمة معطيات ومؤشرات عديدة تثبت هذه الحقيقة الجيواستراتيجية، ومن لازال في العالم العربي، يراهن على تدخل أجنبي هناك أو هناك، فإنه كمن يبحث عن سراب، لأن حقائق العالم العربي والإقليم أضحت مختلفة، وتداخلت المصالح وتشابكت بحيث تتجه التطورات نحو وجود إرادات دولية وإقليمية عديدة، تحول دون استفراد أية قوة بالقرار وصنع السياسات الإقليمية والدولية. والذي يزيد العالم العربي إرباكا وضعفا وتشتتا هو طبيعة بعض المآلات التي وصلت إليها بعض دول ما سمي بالربيع العربي، وترسخ ظاهرة الانقسام العمودي والأفقي في المجتمعات العربية، ودخول جماعات العنف والإرهاب وانخراطها المباشر في بعض الساحات العربية، وترهل النظام العربي الرسمي، والذي يؤكد مرة تلو أخرى، أنه ليس قادرا على مواكبة ما يجري في العالم العربي وعجزه عن تطوير العلاقات البينية بين جميع الدول العربية. وبكلمة نستطيع القول: إن النظام العربي الرسمي، يعيش حالة عجز مزمنة تحول دون القيام بدوره الإقليمي المطلوب. و لم تعد في العالم العربي قوة قادرة على استقطاب وتجميع عناصر القوة الذاتية في العالم العربي، حتى تمنع عملية الانهيار التدريجي الذي يعانيه العالم العربي أكثر من صعيد ومستوى. ولعل من اللحظات القليلة التي تتجمع فيه تحديات الداخل العربي مع الخارج الإقليمي والدولي، حيث إن العالم العربي يواجه في وقت واحد، تحديات داخلية عديدة من أبرزها: 1 دخول بعض الدول العربي في مرحلة انعدام الوزن، وغياب السلطة القادرة على حفظ الأمن و الاستقرار. 2 ثمة انهيارات مجتمعية عددية تعاني منها بعض الدول العربي من جراء غياب نظام يضبط العلاقة بين مكونات و تعبيرات المجتمع والوطن الواحد.. 3 سقوط بعض المجتمعات العربية في أتون العنف والحروب الداخلية المفتوحة بدورها على انهيارات قد تهدد وحدة بعض الدول العربية. 4 تعاني بعض الدول من غياب شبه كلي للحياة السياسية الحديثة، القائمة على مبدأ المواطنة، لصالح صعود الانتماءات التقليدية، التي حولت بعض المجتمعات العربية إلى مجموعة من الطوائف والمذاهب والقبائل التي لا تعيش الوئام والوحدة بينها على قاعدة الوطن الواحد والانتماء الوطني المشترك.. كما أن العالم العربي يعيش جملة من التحديات الخارجية، التي تتكامل مع تحديات الداخل، فيفضي هذا التكامل إلى أن العالم العربي يعيش وضعا عصيبا وقلقا تهدد راهنه ومستقبله. ولعل من أبرز التحديات الخارجية التي تواجه العالم العربي هي: المشروع الصهيوني وكيانه الغاصب الذي بدأ سريعا في استثمار حالة الإرباك والفوضى التي يعيشها أكثر من بلد عربي، لتعظيم مكاسب الكيان الصهيوني السياسية والأمنية والاستراتيجية.. وبالذات مع استمرار حالة الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة. سعي الولاياتالمتحدة الأميركية إلى إنهاء حالة العداء والقطيعة مع إيران، وزيادة وتيرة المفاوضات غير المباشرة بين الولاياتالمتحدة الأميركية وإيران، مما يدخل المنطقة وبالذات في الخليج في ظروف وأوضاع سياسية إقليمية جديدة، تتطلب العمل على بناء رؤية سياسية جديدة في طبيعة التعامل مع القوى الإقليمية الأساسية المجاورة للعالم العربي. وغيرها من التحديات الخارجية، التي تلقي بظلالها السياسية الأمنية والاستراتيجية على كل دول العالم العربي. وأمام هذه التحديات الكبرى التي تواجه العالم العربي، ثمة ضرورة لصياغة مشروعات عربية متكاملة تبلور طريقة التعامل العربي مع هذه التحديات ومتوالياتها السياسية والأمنية. وفي هذا السياق نود التأكيد على الأفكار التالية: ثمة حاجة عربية داخلية في أغلب الدول العربية إلى إراحة الساحة الداخلية بمبادرات وطنية تستهدف تدوير بعض الزوايا ومعالجة بعض موضوعات التوتر بين قوى اجتماعية وسياسية وبين الدولة. فالمصالحات الداخلية توقف الكثير من عناصر الانحدار والانهيار، وتمنع القوى الأجنبية من اللعب على التناقضات الداخلية في أكثر من بلد عربي. لكون المجتمعات العربية تعيش التنوع والتعدد بكل مستوياته، ثمة حاجة ماسة إلى مشروع عربي متكامل لإدارة حقائق التنوع والتعدد الديني والمذهبي والقومي في العالم العربي. فلم يعد ممكنا على ضوء تطورات المنطقة التفرج على الانقسامات الدينية والمذهبية والقومية التي يعيشها أكثر من بلد عربي. لأن التفرج يعني المزيد من الانهيارات والحروب العبثية بين تعبيرات وأطياف المجتمعات العربية. لم يعد الإرهاب يهدد دولة عربية دون أخرى، لذلك من الضروري تطوير العمل العربي المشترك، الذي يستهدف مواجهة جماعات العنف والإرهاب والتي تهدد العالم العربي في أمنه واستقراره ومكاسبه.