إذا كان البعض يعتبر أدب الطفل هو الأكثر صعوبة في الكتابة وذلك لأنه يعبر عن مرحلة عمرية شديدة التعقيد فإن البعض أيضا يصنفه على انه خارج السياق الإبداعي وهذه الإشكاليات لم تعد وحدها الحاضرة في ذهنية مبدعي أدب الطفل. ومع وجود القنوات الفضائية المخصصة للأطفال ومع حضور وسائل اتصال أخرى أصبح المبدع يواجه مأزق اقناع الطفل الذي اصبح لديه خيارات في التلقي تتجاوز الحكاية. وفي هذا المحور عن أدب الطفل نستطلع آراء مبدعات تخصصن في كتابة أدب الطفل وهن: الدكتورة ايمان الخطيب، الدكتورة فاطمة المحسن. الكاتبة سارة الخضير. * الملاحظ أن الكتابة للطفل بشكل عام تأخذ شكل الوصايا والحكم. الآن وبالظروف التي يعشها طفل اليوم هل في تصورك أن الكتابة يجب أن تكون مختلفة للطفل؟ د.إيمان الخطيب: من المفترض أن يكون الكتاب جذابا وممتعا ليقبل الطفل على قراءته دون الحاجة إلى إجباره على القراءة أو دفه بل الإجبار سيجعل الطفل يكره القراءة ويعتبرها واجبا مملا مفروضا عليه. السؤال الذي يطرح نفسه هو ما نوع الكتاب الذي يجعل الأطفال يقبلون على القراءة من تلقاء أنفسهم؟ لماذا يقبل الأطفال على قراءة بعض الكتب ويعزفون عن الأخرى؟ في رأيي، أن الطفل يبحث عما يتناسب وذائقته، سواء أكان كتابا قصصيا أو كتاب معلومات تجيب على فضوله، أو كتابا مضحكا أو يأتي بالغريب والجديد... وغيرها من أنواع الكتب المختلفة. وفي كل هذه الحالات لن يقبل الطفل على الكتاب الذي يلقنه بشكل جاف ويتعامل معه أو يحدثه من فوق، ويفترض فيه الغباء أو عدم الفهم... فالكتاب الممتع بالنسبة له هو ما يأخذه من عالمه المملوء بالوعظ والنقد المباشر والإرشاد والتوجيه والصح والخطأ، إلى عالم ممتع ينسى نفسه مع تتابع أحداثه ويبدأ في التلقي دون أن يشعر... وفي نفس الوقت، نحن نعرف أن القراءة وسيلة وليست هدفا. فهي مصدر معلومات، توسع من ثقافته وإدراكه ومعلوماته. وتساعد الطفل على النضج الذهني والعاطفي والاجتماعي. وتطور لغته. وغيرها من أهداف هامة تساعده على التميز دراسيا. إذاً الكتاب الجذاب هو الكتاب الذي يقدم المعلومة بشكل جذاب يحترم عقلية الطفل، ويساعده على التفكير ويثير فيه حب الاطلاع. وهو أيضا يحدث نضجاً لدى بطل القصة عن طريق حله للمشكلة التي يواجهها أو ما نسميها العقدة. وبما أن الطفل القارئ غالبا ما سيضع نفسه مكان بطل القصة، فإن ذلك النمو والنضج سينتقل إليه فسيتعلم بأسلوب غير مباشر. في الماضي كان الكبير (الأب أو الأم أو المعلم...) هو المحرك الأساسي للقصة... هو من يقوم بالحل، ويجلس الطفل بدون إرادة ولا قدرة على التفاعل مع الموقف ولا التفكير، فقط اللجوء للكبار ليحلوا له مشكلته. ومن ثم رأينا بعض الكتاب، وربما في سيناريو بعض الصور المتحركة، أن الطفل يتصدر الموقف والوالدان يظهران بصورة الأغبياء وتصرفاتهما حمقاء أو فيها تسلط لا مبرر له... كلا النقدين غير مقبول، ولا يمثل التوجه السليم في التربية. فالكتاب المتميز يجب أن يعوّد الطفل تحمل المسؤولية، فيعطي الطفل حق التعامل مع نتائج تصرفاته، ولكن هذا لا يمنع اللجوء لمن يكبرونه سناً أو خبرة، ليستنير برأيهم، كما هي واقع الحياة. ولكن في نهاية المطاف، هو من يقوم بالتعامل مع الموقف ويجد الحل، وبالفعل يقوم بحل العقدة. د.فاطمة الحسين: يفترض أن الكتابة للطفل الآن وفي جميع الأزمنة تتجنب التوجيه المباشر لأن ذلك يشعر الطفل أن القراءة ما هي إلا توأم الدراسة بينما يجب أن تقدم القراءة للطفل كعادة حياتية تلازمه مدى العمر فهي السبيل للتعلم مدى الحياة وهي السبيل لفتح آفاقه وتنويره طفلا كان أم بالغا.. كما أن الكتابة التي تنتهج أسلوب الوعظ والإرشاد تقضي على قدرة الطفل التحليلية والنقدية فهو يتلقى الكتاب كتوجيه لابد وأن يصدق كل ما فيه وقد يكون هذا أحد أسباب بساطة بعض أفراد المجتمع لدينا في تقبل الآراء المتطرفة فهم لم يتعودوا التفكير التحليلي الناقد. سارة الخضير: قطعاً يجب أن تختلف الكتابة للطفل، ليس لأن إدراك الطفل اختلف، الطفل هو ذاته على مر الوقت، لكن لغة التخاطب وطريقة الوصول إليه هي التي اختلفت، لذا يجب أن نساير هذا الاختلاف والتغير.أنت تحتاج للتحفيز، للحث على التفكير بأنواعه ومن أهمها التفكير الناقد المغيب عن الصغار، وتحتاج للكثير من القيم التي ترغب بتمريرها دون مخاطبته بدونية أو وصاية أو تسطيح تفكيره وإدراكه. * صناعة شخصية مبتكرة في أدب الطفل لتمثل نموذجاً ما.. هل تؤيدين وجود مثل هذه الشخصيات في أدب الطفل؟ د.إيمان الخطيب : يصعب التعميم، فذلك يختلف باختلاف القصة. ولكن بشكل عام، لتكون الشخصية محببة يجب أن تكون شبه واقعية. فلا يوجد شخص دائم الكذب، ولا شخص دائم التهريج أو... حتى الشخصيات التي تسمى "سوبر هيروز" أو الأبطال الخارقين مثل سوبر مان أو سبايدر مان، لهم نقاط قوة ونقاط ضعف، وهم في النهاية شخصيات طبيعية. ولكن لهم صفة معينة يمتازون بها، وهي حب الخير ومساعدة المظلوم. وجود شخصيات معينة يعيش معها الطفل في سلسلة كتب، أو برنامج أطفال أو صور متحركة، مفيد لأن الطفل يتعرف عليهم عن قرب ويتعلق بهم ويتابع ما يحدث في حياتهم وكيف يتعاملون مع الأحداث في الحياة تجعل الطفل يتعلق بهم، مما يجعله يحب أن يتابعهم، وبالتالي يحب تلك السلسلة وذلك البرنامج. هذا بالطبع إذا افترضنا أن الكاتب استطاع أن يخلق شخصيات ثلاثية الأبعاد وليست شخصيات ورقية يحركها الكاتب كيفما شاء. إيمان الخطيب:الأطفال تعلقوا بشخصيات خيالية لأن لها نقاط قوة وضعف فاطمة الحسين:تعرّف أطفال الغرب على السندباد وعلي بابا من خلال الكتب والأفلام سارة الخضير :اليوتيوب سحب البساط من فضائيات الأطفال لمرونة الوقت وتكرار المشاهدة د.فاطمة الحسين: إن ابتكار شخصيات من مختلف مناحي الحياة يقدم من خلالها النصوص الأدبية منهج رائع لتقديم الأدب للأطفال وربطهم بالكتاب وربط الكتاب بعالمهم.. فهذه الشخصيات تمر بنفس المشاكل والأزمات التي يمر بها الطفل مع تقديم حلول إبداعية للمشاكل.. مما يعني أن هذه الشخصيات تساهم في إسقاط الطفل بعض مشاكله عليها.. كما أنها تساعد على إخراج الطفل من ذاتيته واطلاعه على عوالم أخرى.. وهذه الشخصيات أيضا نافذة للطفل على ثقافات أخرى.. ألا ترى تعلق أطفال الغرب بشخصية السندباد وعلي بابا وغيره من خلال تقديمها في أدب الأطفال لديهم من خلال الكتب أو الأفلام. سارة الخضير: شخصية مبتكرة أُسقط عليها ككاتب كل ما أريد قوله للطفل أؤيده وبشدة، ليس لأن هذا يختصر الكثير، بل لأنه فعّال بشكل لا يصدق الدراسات والأبحاث الحديثة تقول أن أفضل الممارسات جاءت من شخصية تعتبر (مثلا أعلى) للطفل، أو حتى تعتبر شخصية ذات حضور (نجومية) على أي صعيد سواء أكان كرتونيا أو شخصية حية أيضاً الشخصية تبعدك ككاتب لأدب الطفل عن فخ النمطية والشخص الطيب والشرير، وتجعلك تبتكر عوالم وشخصيات جديدة يتعلمها الصغار ويعرفون كيف يتعاملون معها في حياتهم. * القنوات الفضائية الموجهة للأطفال كيف تجدين حضورها، وهل قدمت إضافة جديدة للطفل، أم المسألة تأخذ البعد التجاري؟ د. إيمان الخطيب: لا يمكن أن نعمم. مثلها مثل كتب الأطفال الموجودة في السوق وعلى أرفف المكتبات، منها الجيد ومنها الغث والذي يهدف إلى تسويق بضاعة ما، أو فكرة ما، وفي بعض الأحيان يقوم بالعمل أشخاص غير مؤهلين. المشكلة عندما يتصدر أشخاص غير مؤهلين ولا يدركون الآثار التربوية لعمل يسقى للأطفال ويؤثر على ثقافتهم، كل همه تسويق العمل والربح... فماذا عساك أن تقول لمن لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم؟! أعتقد أن البرامج الغربية تميزت بقدرتها على جذب الأطفال واستمتاعهم بما يقدم لهم. ولكن مجرد ترجمتها وتقديمها لأطفالنا تعني أن نسقيهم ثقافة غير ثقافتهم يتأسسون عليها ويتأثرون بها. ومنها أيضاً نرسل رسالة غير مباشرة للأطفال أن ثقافتنا غير ممتعة والثقافات الأخرى نموذج يحتذى به، وعالماً جميل يتمنى أن يعيش به. لذلك أرى أهمية إرسال بعثات من شبابنا وشاباتنا ليتخصصوا في هذا المجال ويفهموه بشكل جيد ثم يقدموه لأطفالنا بمضمون يناسب ثقافتهم. د. فاطمة الحسين: أرجو أن تعذرني فأنا لا أشاهد التلفاز... ولكن أشاهد بعض أفلام الأطفال في اليوتيوب .. من ناحية نظرية بحتة أعتقد أن القنوات التلفزيونية مجال رائع وخصب لفتح آفاق المعرفة والفن والجمال أمام الطفل.. سارة الخضير: القنوات الفضائية أداة هامة ورائعة في الحقيقة، لأنها أداة فعّالة جداً ومقبولة للطفل وإن كانت قدمت إضافة فهي في مرحلة ما.. لأنني أرى الانترنت سحب منها البساط مؤخراً (اليوتيوب على سبيل المثال) فالكثير من الإحصاءات في الشبكات الاجتماعية تؤكد بحث الصغار عن مواد لمتابعتها على يوتيوب يكونون عرفوا عنها من خلال القنوات لكن يفضلون المشاهدة على الأنترنت لمرونة الوقت وتكرار المشاهدة بالإضافة للمشاركة مع أقرانهم. أما عن جزئية إضافة القنوات للطفل فهي في أوج وهجها قدمت الكثير للصغار، قدمت المعلومة الجرافيكية المتحركة، وقدمت الشخصيات المثالية وقدمت بعض المهارات من خلال البرامج التفاعلية والموسمية. تجارياً نقول أيضاً أنها نجحت ولا نستطيع أخذ الأمر كسلبية بل هو سوق وفيه عرض وطلب ومن الجيد الاستثمار فيها، وعموما الاستثمار التجاري المربوط بالمعرفة أفضل حقوله حقل الطفل لسهولة حصر احتياجاته ثم طرحها له.