اعتبر مقاولون ان هناك اسبابًا متعددة لتعثر المشاريع مبينين أن الاتهامات دائما تتجه اليهم كونهم في الواجهة، مؤكدين ان معالجة التعثر تحتاج الى حلول جذرية ترمم العلاقة بين اطراف المشروع من خلال عقود واضحة واستيفاء كامل لمتطلبات وشروط العقد من الجميع، وبينوا من خلال حديثهم ل»الرياض» عن عدد من العوامل التي ساهمت في تعثر الكثير من المشاريع التنموية التي تحتاج الى معالجة - من وجهة نظرهم -. ضخامة العقود والبيروقراطية يقول فهد الحمادي عضو مجلس الإدارة رئيس لجنة المقاولين بغرفة الرياض :».. سوق المشاريع السعودي يبلغ نحو 600 مليار دولار، لكن مع ضخامة هذا القطاع لم يواكبه في الإجراءات الإدارية الحاكمة لهذا الجسم الكبير في وعاء الأعمال، مما يعني الحاجة إلى معالجة سريعة وناجزة للازدواجية التي تحكم إدارة هذا المشروع الوطني الكبير الذي نتوقع أنه عندما تكتمل جميع مخرجاته من مشاريع الإنشاءات الضخمة سوف تغير وجه المملكة وتنعكس على واقع البلاد بالخير الوفير بإذن الله». وعبر الحمادي عن أن المقاول السعودي يواجه تحديات لمواكبة ومسايرة هذا الزخم نتيجة لبعض الثغرات التنظيمية وازدواجية البيئة الإدارية بين مختلف الأجهزة الحكومية المالكة لهذه المشروعات بالإضافة لبعض الاختلالات التي أحدثتها عمليات تصحيح أوضاع العمالة واشتراطات السعودة وكل هذه المعطيات المستجدة شكلت ضغطًا على قطاع المقاولات الذي يمثل أكبر وأوسع شريحة أعمال في تركيبة القطاعات الوطنية المنتجة. مطلوب إدارة استثنائية ويرى المهندس عبدالعزيز الشريم : «... بالطبع المشاريع ضخمة بكل المقاييس وهي بحاجة إلى إدارة استثنائية على يد مهارات تنفيذية عالية الحنكة والخبرة داخل الأجهزة الحكومية وأول الطريق نحو تنظيم هذه الأعمال هو بناء وإدارة عقود هذه الإنشاءات العامة بطريقة تبتعد عن الاذعان وسد الثغرات في نصوصها القانونية منها والفنية ليكون العقد حارسًا أمينًا وضامنًا للتنفيذ والمتابعة حتى يصل كل مشروع لمقاصده الأخيرة في الوقت والكيفية التي تعمل من أجلها كل الأطراف». قدرة الأجهزة الحكومية على تنفيذها شبه معدومة لغياب مفهوم «مكاتب إدارة» ويعتبر المهندس بدر الملاحي، انه اذا كان العقد في نصوصه وأحكامه وأبنيته القانونية والفنية يمثل أحد أوجه الاختلالات الأساسية في إدارة هذه المشروعات التي لها طابع استراتيجي في أغلب أجزائها، لكن قدرة الأجهزة الحكومية على تنفيذ المشاريع تكون معدومة من ناحية تقنية وفنية، فلا يوجد جهاز حكومي لديه مفهوم مكاتب إدارة المشاريع. ويحدد سليمان ولي الدين، محاور العمل الثلاثة التي تتولى الإشراف على هذه المشاريع الضخمة هي المالك «الدولة» والاستشاري ثم المقاول، المنفذ فإذا كانت الأطراف الثلاثة على دراية متوازية ومتكاملة بتفاصيل كل مشروع سار على الطريق الصحيح بايقاع، أما إذا كان أحد الأطراف أقل كفاءة فإن ذلك يقود المشروع إلى التعثر. ويؤكد فهد الحمادي على ان كل الأطراف حريصة على نجاح المشروع أولها الوزارات باعتبارها المالكة وفي مقدمتها وزارة المالية التي تمثل الدينمو الرئيسي لجميع المشاريع الحكومية، مضيفا :»... ما نأخذه على المنهج بكامله هو أن وزارة المالية تحولت إلى جهة رقابية مالية نتيجة لحرصها الزائد على الأنظمة والضوابط التي ترعاها على المال، ونعتقد أن التركيز على ضبط المال في ظل هذا الانفتاح الكبير على المشروعات يمكن أن يستغرق جل جهد الوزارة الذي نرى أن يكرس لصالح المرونة والديناميكية وتطوير العقول الإدارية التي تقوم بأعبائها لأن هذه المشاريع الكبيرة تحتاج إلى ضخ الأموال والميزانيات والخبرات وعدم تكبيلها ببيروقراطيات العمل اليومي التي قد لا تنسجم مع معطيات الزمن التي تحكم مراحل تنفيذ هذه المشروعات، نحن بالطبع نقدر لهم حرصهم وحساسيتهم تجاه المال العام لكن الحساسية الزمنية لمراحل تنفيذ المشروعات يجب أيضًا أن تكون محل تقديرنا ورعايتنا الدائمة لأن الهدف الأساسي لكل الأطراف هو نجاح المشروع وعدم تعرضه لأي عامل من عوامل التعثر والتأخر». واضاف الحمادي: « في تقديرنا أن أول خطوة في هذا الاتجاه هو الاسراع في إنجاز عقد الأعمال الذي مضى على تأسيسه سنوات طويلة، فالعقود لم تعد مؤهلة لإدارة الأعمال، وحجم المشروعات يحتاج إلى تنظيم مختلف ومواكبة في النصوص والإجراءات المالية والفنية والبشرية، وعلى سبيل المثال نحن بحاجة إلى صناديق لتمويل المقاولين وصناديق للاستثمار و إجراءات جديدة لتنظيم العقود، وتطوير آليات ضخ السيولة للمشاريع المعتمدة، وتنظيم توزيع الاعتمادات على سنوات العقد بطريقة مرنة وفعالة لصالح مراحل المشروع مع إعطاء الوزير المعني في الجهة الحكومية صاحبة المشروع صلاحيات مالية لحل المشكلات التي تعترض سير المشروع. ضرورة فصل العرضين المالي والفني وبحسب المهندس عبدالعزيز الشريم، هناك عناصر أساسية ينبغي أخذها في الاعتبار قبل اعتماد عقود الإنشاءات العامة، وهي أولاً إعادة النظر في بعض بنود نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية - وفي هذا الإطار حددنا في اللجنة مواد النظام ولائحته التي تتطلب مراجعة فورية وضرورة تفعيل قرارات مجلس الوزراء رقم 23، 155، و260 والاسترشاد بعقد الفيدك أو أي عقود أخرى عالمية تحقق العدالة بين أطراف العلاقة التعاقدية، ونحن نرى أن العقود الحالية تميل دائمًا إلى الاذعان والانحياز لصالح المالك وتغض الطرف عن مصالح المقاول ونحن لا نبحث سوى عن إنزال موازين العدالة التي تخدم المصلحة الوطنية المتمثلة في عدم الإضرار بسلامة المراحل التنفيذية للمشروع - والمقاولين كذلك يتطلعون لتفعيل برنامج تمويل المقاولين الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم 47 في عام 1394ه، كما نتطلع لاعتماد نظام العرضين المنفصلين (الفني والمالي) على أن يكون فتح العرض المالي مرهونًا بقبول العرض الفني وهو نظام جيد وفعال تطبقه أرامكو وسابك والهيئة الملكية، ونرى أيضًا أن إسناد الأعمال إلى مقاولي الباطن أدى إلى تدهور بعض المشاريع، ولدينا أيضًا ملاحظات عديدة حول تأخر صرف مستحقات المقاول - ولكي نكون منصفين فإن وزارة المالية لا تتأخر في صرف المستحقات لكن الجهات المشرفة هي التي تساهم في تأخر صرفها وبعض المستحقات تستغرق عدة شهور داخل البيروقرواطيات الإدارية لدى الجهات المالكة للمشروع ونقترح أن يتم فصل النظام الخاص بالإنشاءات العامة عن التشغيل والصيانة والنظافة، وعقود التوريدات والمزادات والإيجارات. أما البند الثاني في هذه الرؤية فهو ضرورة تأهيل وتصنيف المكاتب الاستشارية التي تتولى تصميم المشروع، فهناك حالات تكون فيها تكلفة التصاميم لا تتناسب مع حجم المشروع وتسند لمكاتب رخيصة غير مؤهلة فتكون التصاميم هزيلة تحتوي على أخطاء فنية وبالتالي يتضرر منها المقاول في التنفيذ فهي لا تدرس طبيعة الأرض وطوبوغرافيتها واتجاهات مجرى الأودية والسيول وفحص التربة. ثالثًا من جانب المالك فإن الجهة المشرفة ضعيفة بسبب تسرب المهندسين السعوديين الأكفاء من العمل في القطاع الحكومي لأن الكادر والامتيازات الممنوحة لهم لا تلبي طموحاتهم والسبب عدم اعتماد الكادر الهندسي، وفي جانب المقاولين أيضًا هناك البعض من غير المؤهلين ويجب إعطاء الاعتبار للخبرات السابقة عند ترسية المشاريع مع إمكانية الاستعانة بالشركات الأجنبية في المشاريع التخصصية ذات التقنية العالية. وأخيرًا فإننا ندعو إلى قيام كيان مهني يكون مرجعًا لقطاع المقاولين ترجمة لقرار مجلس الوزراء رقم 260. العقود غير منصفة ويرى المهندس الملاحي، أهم إشكالية يواجهها كمقاول تتمثل في عدم الاعتراف بالخطأ، وزارة المالية ترفض أن تعترف أن العقد غير منصف للطرفين، والجهات الحكومية لا تعترف بأن لديها قصورًا في أجهزتها الإشرافية، أما الاستشاريون فإنهم لا يمارسون عملهم الاستشاري كما يجب على أرض الواقع فالدور الذي يلعبه الاستشاري هو مجرد مراسل بين (المالك والمقاول) بعد أن أصبح المالك هو الذي يوجه الاستشاري كيف يعمل وهذه كارثة عندما يكون الاستشاري بلا رأي في المشروع الذي يعمل مستشارًا له، ونعتقد أن السبب هو ضعف الاستشاري وضعفه يؤدي إلى استسلامه لجهة الإشراف من الوزارة (وفاقد الشيء لا يعطيه) وأنا أشبه الاستشاريين كأنهم مكاتب استقدام يجلب بعض المهندسين ليضعهم في الموقع. ولهذا السبب تتدخل الجهة المالكة ويصبح دور الاستشاري مجرد دور هامشي وليس دورًا إيجابيًا منصفًا من الناحية الفنية.. فيتأخر الصرف، واعتماد مواد المشروع. نعاني من ذيول عمليات تصحيح العمالة وعن مرجعية القطاع يرى سليمان ولي الدين، أن القطاع بحاجة إلى مرجعية أسوة بالصناعيين والزراعيين وغيرهم، فوجود مثل هذه المرجعية سوف يساعد على تحسين أداء المقاول ويضبط دخول وخروج المقاولين وإخراج المقاول السييء ودعم المقاول الجيد. فيما يتعلق بظاهرة التعثر فإن جانبًا مهمًا فيه يتعلق بذيول وتأثيرات عمليات تصحيح أوضاع العمالة الأجنبية فقد زادت تكلفة العمالة ومصاريف الاستقدام ، وقد ترددت وعود بأن المقاول سيتم تعويضه عن هذه الخسارة الباهظة لكن لم يتم اتخاذ إجراء عملي في هذا الصدد حتى الآن، ونتمنى أن يتم ذلك بأسرع ما يمكن. المقاولون الذين يتردد الحديث الآن أنهم قد تعثروا هم نفس المقاولين الذين يعملون في هذا المجال منذ 40 عامًا و70٪ منهم لازالوا يعملون في ذات المجال ولم يتعثروا في السابق إذًا علينا أن نبحث عن أسباب أخرى للتعثر وهي إما أن الجهة صاحبة المشروع لا تملك مخططات كاملة أو الاستشاري الجيد أو نقص الخدمات في المواقع وعدم ترحيل الخدمات واستملاك الأراضي أو التنظيمات الجديدة لسوق العمل وهذه هي أسباب تعثر أكثر من 80٪ من المشاريع المتعثرة خاصة في مجال البنية التحتية. مجلس أعلى للإنشاءات ويؤكد الحمادي في انه لو تمت اقامة مجلس أعلى لقطاع الإنشاءات ومجالس متفرعة منه في كل وزارة تتشكل من القطاعين الحكومي والخاص والاستشاري للإشراف على المشاريع العامة ويكون الأعضاء فيه من أصحاب الخبرة والدراية من المهندسين ومن أصحاب القرار في الجهات الحكومية والاستشاريين الأكفاء وذلك على غرار المجلس الذي تشكل في مكة مع وزارة البترول وكان يجتمع شهريًا لمتابعة المشروعات، أما المجلس الأعلى فيكون على غرار المجلس الاقتصادي الأعلى وهيئة السياحة وهيئة سوق المال وتتفرع عنه المجالس المصغرة في كل وزارة. ونعتقد أن أغلب تعثرات المشاريع الآن ناتجة عن عدم التنسيق وعدم حل المشاكل بطريقة سريعة وفورية. ويضيف الحمادي، نحن طالبنا بقيام هيئة مهنية أهلية وقد صدر بها القرار رقم 260 وستكون على غرار هيئة المهندسين وهيئة المحاسبين لتتولى تنظيم القطاع ولها مجلس منتخب وتراقب السجلات التجارية وشروط الممارسة وهي سترى النور إن شاء الله وقد شكلت لها لجنة لمتابعة الأمر. لكن ما أدعو إليه الآن هو قيام مجلس أعلى لقطاع الإنشاءات يتولى الإشراف على الإنشاءات عمومًا في المملكة، بالإضافة إلى الفروع المتصلة به في كل وزارة وتتشكل هذه المجالس بالتشارك بين القطاعين العام والخاص والكفاءات الاستشارية على غرار ما يحدث الآن في مترو الرياض حيث إن للغرفة تمثيلًا في لجان الإشراف و المتابعة بتوجيه من سمو أمير منطقة الرياض. فيما يرى المهندس الشريم انه آن الأوان للتفكير في عودة وزارة الأشغال لوضع قواعد جديدة وصحيحة لقطاع المشاريع مما سيسهم بفاعلية في تطوير قطاع البناء والتشييد والحد من ظاهرة تأخر وتعثر المشاريع الحكومية. ونعتقد أيضًا أن وزارة المالية ليست الجهة المناسبة لصياغة وإعداد مشروع عقد الإنشاءات أو عقد فيدك فهي جهة مالية وليست هندسية بل أن يُدرس مثلاً من وزارة الشؤون البلدية ومجلس الغرف وهيئة المهندسين والاستعانة بالخبرات الأخرى. وإحدى المشكلات المزمنة التي تقود المشروع إلى التعثر في كثير من الأحيان هي أوامر التغيير التي تربك كل خطط وبرامج العمل، فقد أشرفت على مشروع كبير منذ عدة سنوات فكان عائد المقاول من أوامر التغيير أكثر من 50٪ من القيمة الاساسية للمشروع، وأشرفت أيضًا على مشروع مستشفى كان مقررًا أن يقام بسعة 50 سريرًا وخلال العمل قررت الجهة المالكة رفع سعة المشروع إلى 100 سرير00 فقد اعتدنا دائمًا على وجود ما يسمى بالبنود المستحدثة أو (أوامر التغيير). حجم المشاريع المتعثرة وحول حجم العثر يقول سليمان ولي الدين، ان الأرقام المنشورة في الصحف فيها تضخيم فهي تقول أحيانًا إن التعثر 100٪ وأحيانًا تقول 50٪ وهي أرقام غير صحيحة، فالمشاريع المتعثرة قليلة وضئيلة قياسًا بحجم المشاريع، لكن بالإمكان تلافي أسباب التعثّر والأسباب لا تخرج عن العوامل التي ورد ذكرها في حديثنا ونعتقد أن هذا أمر طبيعي أن تحدث بعض الثغرات المؤدية للتعثر طالما كنا نتحدث عن أعمال ضخمة بكل المقاييس، ولذلك أعيد التأكيد على ما تفضل به الحمادي بضرورة قيام مجلس أعلى للإنشاءات يناط بدراسة وحل مثل هذه التحديات أولاً بأول ويتولى التنسيق بين جميع الجهات المالكة للمشاريع حتى لا يحدث التضارب الذي يؤدي إلى التعثر. وفي السياق ذاته يقول م. الملاحي: نعم توجد لدينا مشاريع متعثرة لكن لا يوجد حتى الآن تعريف دقيق لمصطلح المقاول المتعثر، ولا أحد يستطيع أن يشير بوضوح إلى المتسبب في هذا التعثر، قد يقولون إنه المقاول لكن هذه تهمة جزافية لا دليل عليها وقد تعودنا أن تنسب أسباب التعثر إلى المقاول سواء من جانب الجهات المعنية والمالكة أو حتى في الخطاب الإعلامي الذي لا يجهد نفسه في التحقق من هذه المعلومة وبالتالي فإن المشكلة تتمثل في تعريف التعثر - فعندما يتعثر المشروع بسبب الاستشاري أو حتى بسبب المالك فإن المقاولين هم من يتحملون عبء هذا اللقب أمام الرأي العام مع أنهم قد يكونون أبرياء بل وضحايا أيضًا لمترتبات التعثر الذي لم يتسببوا فيه في واقع الأمر، وللأسف لا توجد إدارة حكومية تقول إنها مثلاً تتحمل نسبة من أسباب التعثر وتحدد النسبة العادلة التي تنسبها للمقاول. الحمادي م. الشريم م. الملاحي سليمان محمد