يعود الأخوان لوك وجان-بيير داردين بلياقة عالية ليقدما من جديد فيلماً يحوز على إعجاب نقدي عال. والأخوان اسم معروف في مهرجان كان بل ومن الأسماء القليلة التي نالت السعفة الذهبية مرتين: عن فيلم "روزيتا" عام 1999 وعن فيلم "الطفل" عام 2005. كما سبق أن حازا على جائزة لجنة التحكيم الكبرى مناصفة مع نوري جيلان عن فيلم "The Kid With A Bike". ولذلك فقد كان عدد كبير من النقاد بانتظار فيلمهما الأخير، وإن كان من المستبعد الحصول على السعفة بعد أن فازا بها مرتين، ولكن بعد عرض فيلمهما "يومان وليلة واحدة-Two Days, One Night" في اليوم السادس من المهرجان، بدأت التساؤلات حول ما إذا كان من الممكن أن يأخذاها للمرة الثالثة، وذلك لأن الفيلم يعد في نظر بعض النقاد الفيلم الأفضل حتى الآن. والحقيقة أن ما قدمه الأخوان هو بالضبط ما هو معتاد منهما، دراما مكتوبة بشكل مكثف ومؤثر وبأكبر قدر من الواقعية وتحكي عن الطبقة العاملة، بكاميرا متحركة تتبع الممثلين بلقطات طويلة، وبشكل ينتمي إلى السينما التبسيطية (Minimalist) وبدون أي موسيقى تصويرية أو مؤثرات. وأيضاً بشكل ينتمي إلى سينما الواقعية الاجتماعية الذي اشتهروا به ويصنعونه بشكل جيد. ورغم أن كل هذا معتاد ومعروف مسبقاً، لكن هناك روح أكثر تفاؤلاً من أعمالهما السابقة وقصة مكتوبة بشكل متميز جداً حيث تشد المشاهد من اللحظة الأولى حتى النهاية وأداء مميز جداً لماريون كوتيار يكاد يكون الأفضل لها بعد La Vie En Rose، كل هذا جعل من الفيلم عملاً متكاملاً لا يستحق إلا الثناء والتقدير. يبدأ الفيلم بمشكلة حقيقية ووجودية تعيشها ساندرا(ماريون كوتيار)، حيث نعرف أنها تحاول التماسك بينما هي على وشك الانهيار، فقد خرجت حديثاً من حالة اكتئاب حادة، وهي حاليا على وشك أن تسرح من وظيفتها، بسبب الأزمة الاقتصادية ولأن زملاءها في العمل قد طلبوا من رئيسهم علاوة 1000 يورو، فقد قرر الرئيس أنه في حالة دفع العلاوة لابد من تسريح أحد الموظفين وكانت ساندرا هي الضحية لغيابها عن العمل فترة بسبب الاكتئاب. وبعد محاولات من زميلة لها وساندرا لتثني الرئيس عن هذا القرار وأن التصويت الأول الذي تم كان علنياً وقد جامل فيه الكثير رئيس العمال الذي حرض الجميع على التصويت لصالح العلاوة، يوافق الرئيس على إجراء تصويت سري. والتصويت يقضي باختيار 16 موظفا وموظفة التصويت إما لبقاء ساندرا في العمل أو العلاوة والتي تعني بالضرورة تسريحها من وظيفتها. التصويت سيكون يوم الإثنين والمطلوب من ساندرا خلال "يومين وليلة"، كما يشير العنوان، أو عطلة نهاية الأسبوع، وهي أيضاً المدة التي تحاول فيها ساندرا التماسك رغم أنها تنهار في حالات كثيرة، أن تذهب لمقابلة ال16 موظفا وموظفة لإقناعهم بأن يتخلوا عن العلاوة ويصوتوا لها. التسريح من الوظيفة يعني ألا تتمكن ساندرا وزوجها، الذي يعمل في مطعم، من البقاء في شقتهم التي اشتروها حديثاً بسلفة عالية من البنك، ويعني أن يعودا برفقة ابنهما وابنتهما لسكن التأمينات الاجتماعية الممنوح من الدولة، وهو سكن لا يرقى بالطبع للشقة الجميلة التي يعيشان فيها، ويعني أيضاً عودة ساندرا إلى الاكتئاب الذي من الواضح أنها تحاول جاهدة مقاومته ولم تتمكن نهائياً بعد من التخلص منه. هذا هو دافعها للبقاء في الوظيفة ولكن الآخرين أيضاً لهم دوافعهم، كما يظهر عندما تقابلهم، فهناك من يريد دفع أقساط جامعة لأبنائه وهناك من يرمم بيته وهناك من يخشى فقد وظيفته لأنه مهدد بسبب جنسيته بفقدها في حالة كسب عداوات بخسران البعض لوظيفته. والكل يطلب من الآخر أن يكون مكانه. لكن هناك من يتضامن بالطبع وحين يحدث هذا التضامن تظهر ابتسامة صادقة على وجه ماريون وتبقينا القصة مشدودين بمفاجآت حتى نهاية الفيلم. ومن النادر أن يخلو مشهد من ماريون كويتار، وهي في كل لحظة تجعلنا مقتنعين تماماً بأنها ساندرا بيأسها وإحباطها وقلقها وفرحها في لحظات قليلة. آداء صادق بإحساس عال جداً ومقنع تماماً. وبحس إنساني عال يغلف الفيلم منذ اللحظة الأولى وحتى النهاية. وربما نهاية الفيلم هي أجمل وأقوى ما فيه وهي التي تترك الأكثر الأكبر بعد مشاهدته. ولذلك فالغالب أن هذا الفيلم سيأخذ مكانة جيدة حتى بعد نهاية المهرجان في مواسم الجوائز الأخرى سواء على مستوى أوروبا أو أمريكا خاصة أن وجود نجمة ككوتيار سيؤهله للانتشار بشكل أوسع. ويبقى أن هذا التعاون بين كوتيار والأخوين قد أنتج أداء مميزاً لها لم نكن لنشاهده لو لم تكن معهما، وأنتج فيلماً ناجحاً جديداً يضيف إلى مسيرتهما المميزة. ماريون كوتيار مع الأخوين داردن قبيل عرض الفيلم في كان