مهما كانت درجات التطور ومهما ارتفعت المباني ومهما ازدانت الطرق جمالاً ومهما كثرت المشاريع ومهما تعددت المطاعم والمقاهي والمحلات يظل التعليم وتظل الثقافة الاجتماعية والتربية والسلوك الاجتماعي هي مقياس التطور الحقيقي لأي مجتمع في هذا العالم.. اليوم في وطننا يعد التعليم بكافة درجاته العنصر الأول والأهم في كل خطط التنمية ويمثل التعليم بكافة مراحله الأولية والعليا سواءً أكان حكومياً أو أهلياً الشريك الأول والأهم في مقومات التنمية بخططها وبعملها في عموم المجالات وفي كل مناطق الوطن الغالي.. والتعليم الأولي والتعليم العالي في بلادنا يمكن القول إنه ولله الحمد شهد خلال السنوات الثلاثين الماضية تطوراً "كمياً" وكبيراً جداً من حيث أعداد المدارس والمعاهد والكليات والجامعات.. ولكن !! من حيث التطور"النوعي" لازال التعليم في بلادنا يحتاج إلى مراجعة شاملة وجادة.. مراجعة تقدم لنا رؤية صادقة وصريحة من خلال مقاييس حقيقية لتطوير مخرجاته طيلة هذه السنوات وهل وصل إلى الدرجة المأمولة التي ينشدها الجميع !! وهل نتائج التعليم "النوعية" الراهنة بالفعل توازي التطور "الكمي" لإعداد المدارس والمعاهد وتوازي تطلعات خطط ونتائج التنمية التي يعيشها الوطن ولله الحمد في شتى المجالات ؟! إن الطموح الذي ننشده ونطلبه من كل مؤسسات التعليم الرسمية والأهلية للبنين والبنات في بلادنا يجب ألا يكون محصوراً في مجال التعليم فتطور التعليم مرتبط بالتربية.. والتربية نعترف أنها تأتي مقدمة على التعليم وهذا المقصد الأول من إنشاء وزارة التربية والتعليم، وهذا مايؤكده مسمى الوزارة التي أنيطت بها مسؤولية كبيرة وعظيمة من خلال مهمة "تربية" أبناء المجتمع حتى سن الثامنة عشرة ؟! من هنا تطرح تساؤلات عن مقاييس التربية التي كنا ولا زلنا ننشدها في جيل المجتمع الحالي الناشئ.. ليس اليوم بل منذ سنوات ولا زلنا نتساءل أمام الكثير من المشاهدات والمواقف والتصرفات، هل نجحت كل جهات التربية والتعليم والتدريب في مسؤوليتها التربوية والتعليم لهذا الجيل ؟! هل مخرجات هذه الجهات التربوية توازي حجم تطلعات المجتمع وتوازي حجم الثروات المالية التي أنفقت على التربية والتعليم طيلة السنوات الماضية ؟!! اليوم نحتاج إلى وقفة تساؤل وتقييم ومراجعة شاملة ودقيقة وصادقة ووطنية أمام كل مخرجات التربية والتعليم تعليمياً وفكرياً وسلوكياً وتربوياً بداية من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية !! ونضع إجابات أكثر صراحة ومصداقية تكفل لنا إن شاء الله تقديم جيل قادر بإذن الله في المستقبل على المشاركة في مسيرة المجتمع الإدارية والتنموية في شتى المجالات .. ومن بشائر السعي لتحقيق هذا الأمل الكبير إن شاء الله صدر أمر خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- يوم الإثنين الماضي بالموافقة على برنامج عمل تنفيذي لدعم تحقيق أهداف مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام في المملكة والذي تقدمت به وزارة التربية والتعليم لتلبية الاحتياجات الضرورية والتطويرية التي تحتّمها المرحلة الحالية والمستقبلية. وذلك بتكلفة تزيد على 80 مليار ريال لمدة خمس سنوات، إضافة إلى ما يتم تخصيصه سنوياً للوزارة، كما وافق المقام الكريم على تشكيل لجنة وزارية من الوزراء ذوي العلاقة لتولي الإشراف العام على تنفيذ برنامج العمل. فنحن اليوم وغداً في هذا الوطن في أمس الحاجة إلى إعداد جيل للمستقبل جيل على قدر كبير من التوعية ومن الثقافة والإدراك. جيل يكون قادراً على مواجهة التحديات المستقبلية في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية.. جيل قادر على المحافظة على مكتسبات التنمية الشامخة التي ننعم بها في هذا الوطن.. جيل قادر على مسايرة أجيال المجتمعات العالمية بدرجة متمكنة.. فمن المؤكد أن متطلبات العصر القادم تختلف كثيراً عن متطلبات الحاضر والماضي!! نحن ولله الحمد في هذا الوطن نملك القدرات الكاملة على تحقيق كل ذلك.. فقط نحتاج إلى إرادة عملية مختلفة عن كل سابقها.. إرادة تنقذ التعليم من التجارة وتخلص التعليم من الأفكار الشاذة ومن أزلية بعض المناهج.. إرادة تبعد المعلم الذي انشغل فكره بالأعمال الحرة.. إرادة تنقذ التعليم من سيطرة الإداريين والإداريات التقليديين.. إرادة تنقذ كثيراً من المدارس الحكومية التي حُولت للأسف إلى ضمان اجتماعي لكثير من المدرسين والمدرسات.. إرادة تنقذ المدارس الأهلية التي حولها المدرسون غير السعوديين في المساء إلى مدرس خصوصي يهدي النجاح للطالب المشترك.. إرادة تعيد الجدية التعليمية للمدرسة والهيبة التربوية للمعلم.. إرادة تنقذ التعليم من ظاهرة الغياب واللامبالاة بالحضور.. إرادة تصنع المعلم قبل أن تعد شهادة الطالب !! أخيرا نحتاج إلى إرادة جادة وصارمة تبدأ من الإدارات التعليمية ثم من الإدارة المدرسية ثم من المعلم ثم من المناهج قبل أن تصل إلى الطالب أو الطالبة !!