يُعدُّ الفساد من أكثر القضايا الشائكة التي تؤثر بشكل سلبي على تقدم الوطن وتعيق تسريع عملية التنمية التي هي التوجه الحقيقي في رؤية "خادم الحرمين الشريفين" الملك "عبدالله بن عبدالعزيز" –أيَّده الله-، إذ إنَّه وضع محاربة الفساد في مقدمة الأهداف الكبيرة لتطور الوطن ونمائه. وعلى الرغم من الجهود الوطنية المخلصة التي تبذلها "هيئة مكافحة الفساد" في الكشف عن الفساد بشتى صوره، إلاَّ أنَّها بحاجة إلى محاكم قضائية تبت في قضايا الفساد التي قد يستغرق البت فيها مدة طويلة، وخير شاهد على ذلك كارثة سيول جدة التي مضى على كثير من فصولها سنوات عدة؛ مما يُشكل عائقاً كبيراً أمام الإسراع في معاقبة المفسدين، حيث إن طول الإجراءات في المحاكم القضائية جعل قضايا الفساد تدخل ضمن طابور طويل بانتظار الحكم فيها. فإذا ما وجدت المحاكم التي تتلقى قضايا الفساد بجوار القضايا العامة الأخرى، فهل من المجدي أن يتم إنشاء محاكم متخصصة لتتناول قضايا الفساد وتبت فيها، بدلاً من أن يطول النظر فيها أسوةً بالقضايا العادية الأخرى؟، وإذا ما وجدت القرارات الحقيقية لاتخاذ مثل هذه الخطوة، فإلى أيّ مدى سيكون وجود هذه المحاكم المتخصصة مجدياً؟، وماذا عن عملية اختيار القضاة؟، وهل سيتم تأهيلهم وتدريبهم للتعامل مع قضايا تُعدّ من أخطر وأهم القضايا التي تتقاطع مع قضايا الإرهاب والأمن، على اعتبار أنَّ الفساد هو وجه من أوجه الإخلال بالاستقرار الوطني؟، وماذا عن دور ومهام "هيئة مكافحة الفساد" في هذه الحالة؟، وهل سيكون من المجدي أن يكون لها دور أكبر وأوسع من مفهوم إحالة القضايا المتعلقة بالفساد إليها، وذلك كما يحدث في الوقت الحالي الذي تؤدي فيه دور الوسيط بين هذا النوع من القضايا وبين المحاكم القضائية؟. د.علي السويلم د.عبدالناصر السحيباني د.عمر الخوذي نظام المرافعات وقال "د.علي السويلم" -محام-:"إنَّنا نعيش في عصر التخصص، فالأمور تشعبت وتعقدت وأصبحت تحتاج إلى خبير في كل مجال، وبالتالي فإنّ من المفيد إنشاء محاكم متخصصة في كل مجال من المجالات"، مضيفاً أنَّ ذلك هو ما اتجه إليه نظام المرافعات في التعديل الأخير عبر إنشاء محاكم متخصصة في قضايا التجارة والأحوال الشخصية، والقضايا العمالية والجنائية. وأضاف أنَّ تخصيص محاكم في قضايا الفساد يُعد ذا قيمة وهدف، موضحاً أنَّه سيكون له مردود إيجابي في ملاحقة ومحاسبة ومكافحة الفساد؛ لأنَّه أنشئ من أجل التحقيق في هذه القضايا والكشف عن ملابساتها وما تنطوي عليه من أمور خفيّة وغير واضحة أو حتى معلنة، فهي تحتاج إلى الخبير الذي يستطيع أن يصدر فيها التحقيق الصحيح، ومن ثمَّ الحكم العادل، مبيِّناً أنَّه في حال وجدت مثل هذه المحاكم المتخصصة للفساد، فإنَّ القضاة يجب أن يكونوا مؤهلين عبر تزويدهم بدورات تدريبية. طول إجراءات التقاضي يترك ثغرات قانونية ولا يردع «الحرامية» من التلاعب ومواجهة العدالة وأشار إلى أهمية إيجاد دورات تدريبية للرفع من مستوى القضاة في مجال تخصصهم، موضحاً أنَّ ذلك هو ما يسعى إليه وزير العدل الذي يهتم بالتأهيل والتدريب عبر منح كثير من القضاة الدورات التدريبية اللازمة، موضحاً أنَّ ذلك يتوافق مع متطلبات مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك "عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود" -حفظه الله- لتطوير مرفق القضاء والوصول به إلى الهدف المنشود. قضايا جزائية وأوضح "د.عبدالناصر السحيباني" –محام، ومستشار قانوني- أنَّه ليس من الضروري إنشاء محاكم متخصصة بقضايا الفساد؛ مشيراً إلى أنَّ المحاكم لدينا هي حسب طبيعة القضاء، مضيفاً أنَّ قضايا الفساد تدخل ضمن القضايا الجزائية وهي بالتالي من اختصاص المحاكم الجزائية، كما أنَّ ديوان المظالم يمارس التخصصات ذاتها فيما يتعلق بالرشوة والتزوير، لافتاً إلى أنَّها بدأت في الانتقال جزئياً إلى القضاء العام حسب الاختصاص. وقال إنَّ سبب وجود هذه الظاهرة لا يعود إلى نقص في آلية الثقافة، فهذه الثقافة موجودة، مضيفاً أنَّ الإشكالية تكمن في المتابعة والمراقبة المسبقة على الفساد، وبالتالي رفع مستوى الالتزام قبل وصولها إلى مرحلة التقاضي، موضحاً أنَّ هناك حاجة إلى تحجيم آلية التقاضي أو السرعة، بيد أنَّ ذلك يجب ألاَّ يكون سبباً في زيادة المحاكم المتخصصة، مشيراً إلى أنَّه إذا حدث ذلك وتم الاستمرار عليه فإنَّ النتيجة هي وجود محكمة متخصصة بكل نشاط بشري لدينا. طول الإجراءات وأضاف "د.السحيباني" أنَّ ذلك من الممكن أن يُفقد الجهات المعنية السيطرة على هذا القطاع، مبيناً أنَّه من المحتمل أن يكون ما دعا إلى وجود مطالبات بإنشاء محاكم للفساد هو آلية النظر وطول الإجراءات الموجودة عند النظر في القضايا، مؤكداً على أنَّ ذلك غير كاف لإنشاء محاكم متخصصة بقضايا الفساد؛ لأنَّه في حال وجدت هذه المحاكم المتخصصة فإنَّها قد تصل إلى المرحلة نفسها من طول الإجراءات والتأخير. وأشار إلى أنَّه من المناسب أن يتم النظر في أسباب تأخّر الإجراءات وأسبابها مع معالجتها وليس إحداث محاكم جديدة، مضيفاً أن تُعامل الجرائم الناشئة في جميع دول العالم كقضايا الفساد –مثلاً- حسب النظام القضائي في البلد نفسه، وتبقى ضمن الجرائم المُعاقب عليها والتي تختص بها المحاكم المختصة بها، ومن النادر أن نجد دولةً تُخصص قضاءً خاصاً لمحاكمة الفساد؛ ولذلك يجب أن ننظر إلى طول الإجراءات في المحاكم مع وضع المعالجة الجيدة لها وليس بإحداث محاكم أخرى جديدة. تأهيل القضاة ولفت "د.عمر الخوذي" -أستاذ القانون بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة- إلى أنَّ تأهيل القضاة أمر ميسور وسهل ومن الضروري أن يحدث، مؤكداً على أنَّ الفساد جريمة ذات طابع خاص وتخرج عن النسق المعروف والمألوف للجرائم الأخرى، موضحاً أنَّه يمكن تشبيهها بجرائم أمن الدولة أو جرائم الإرهاب، مبيِّناً أنَّ ذلك هو ما جعل لها محاكم جزائية متخصصة للتعامل معها كقضايا ذات طبيعة خاصة وقضاة متخصصين وإجراءات محاكمة خاصة وأحكام ذات طبيعة خاصة، مؤكداً على أنَّه في حال وجدت الرغبة الحقيقية والجدية الكبيرة في مكافحة الفساد، فإنَّ من الضروري أن يكون ذلك عبر القضاء المتخصص. وأضاف:"رغم تداخل جهات القضاء، إلاَّ أنَّه ثبت أنَّ الفساد بمعناه القانوني يحتاج بشكل جاد إلى محاكم متخصصة وإلى قضاء خاص"، موضحاً أنَّ إنشاء محاكم متخصصة بقضايا الفساد سيكون له الأثر الايجابي الكبير، ومن ذلك عدم إشغال القضاء العام بقضايا إضافية، كما أنَّ طبيعة الجرائم التي تُصنف من جرائم الفساد هي بطبيعتها جرائم مركبة. مكافحة الفساد وأشار "د.الخوذي" إلى أنَّ مصطلح "مكافحة الفساد" لم يكن موجوداً، رغم أنَّ الفساد موجود منذ القدم، موضحاً أنَّ مكافحته لم تكن موجودة، مشيراً إلى أنَّه ظل قائماً حتى بعد أن تمَّت عملية إنشاء "هيئة مكافحة الفساد"، مبيِّناً أنَّ مكافحة الفساد لا تزال في خطواتها الأولى، لافتاً إلى أنَّ الخلل ليس في "هيئة مكافحة الفساد"، بل في سبل مكافحتها له، مؤكداً على أنَّه في حال تمَّ إنشاء محاكم متخصصة بقضايا الفساد، فإنَّ ذلك سيُشكّل مسؤولية كبيرة في اختيار القضاة الذين يحملون مواصفات معينة. وقال إنَّ ذلك يعود إلى أنَّ القضاة هنا سيحكمون في جرائم ذات طبيعة خاصة وليست جريمة تزوير أو غيرها من الجرائم الأخرى، كجرائم الرشوة واستغلال السلطة أو استخدام النفوذ الوظيفي أو مزاولة أيّ نشاط تجاري مخالف، مشيراً إلى أنَّ الجريمة هنا هي جريمة مركبة، ومن هنا فإنَّه لابد من تأهيل القضاة في هذا المجال بحيث يتمكنون من محاسبة الجناة في قضايا الفساد بالشكل المطلوب. الحفاظ على المال العام يحمي ثروات الوطن من اللصوص إنشاء محاكم متخصصة بقضايا الفساد يتطلَّب تأهيل القضاة الإبلاغ عن المفسدين لا يكفي دليلاً على تورط المتهمين