خاضت البشرية غمار الصراع مع الأمراض المعدية منذ أزمنة بعيدة وسجلت أسماء الأوبئة في صفحات التاريخ، واليوم الحديث عن الأوبئة المعدية والتي ابتدأت بحمى الوادي المتصدع وبحمى الضنك مرورا بأنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير ثم فايروس "كورونا" وقد أصابت الناس بالرعب والخوف من العدوى. فلم يكن الحديث عن الأوبئة حديث العصر بل كانت تتواجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن جاء من بعده، كانت الطواعين المشهورة "العظام" في تاريخ الإسلام ستة أولها طاعون شيرويه بالمدائن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 6ه، والثاني طاعون عمواس سنة 18ه في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان بالشام ومات فيه 25 ألفا وعاش المسلمون في ظل هذا الوباء أياماً عصيبة حتى كانت نهايته على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه حيث خطب في الناس فقال"أيها الناس إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتحصنوا منه في الجبال"وكأنّه يعني أن حال هذا الوباء كحال النار فإذا لم تجد النار ما تحرقها خمدت فكانت نصيحته للناس أن يتفرقوا في النواحي فترة من الزمن وبهذه النظرة السديدة ارتفع الوباء وانتهى، أما الوباء الثالث طاعون كان بالكوفة سنة 50ه وفيه توفي المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، والرابع في زمن خلافة عبدالله بن الزبير رضي الله عنه سنة 69ه ومات بالطاعون في ثلاثة أيام كل يوم سبعون ألفا ومات فيه لأنس ابن مالك ثلاثة وثمانون ولدا ومات فيه لعبد الرحمن بن عوف "أربعون" ولدا، والخامس طاعون الفتيات في شوال سنة 87ه وسمي طاعون الفتيات لأنه بدأ في العذارى بالبصرة ووسط والشام والكوفة ويقال له أيضاً طاعون الأشراف لما مات فيه من الأشراف، والسادس طاعون سنة 131ه في رجب واشتد في رمضان وكان يخرج في كل يوم ألف ثم خف في شوال. فماهي توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل الحفاظ على الصحة من تلك الأمراض؟ إن السنة الشريفة غنية بالقيم الوقائية وهذه التوجيهات التي عرفها الطب مؤخراً أمر بها الإسلام منذ أكثر من 1400عام وجعلها جزءاً من تعاليم ديننا وهي مرتبطة بالنظافة ولكن للأسف يجهل الكثير من المسلمين هذه التعاليم ولذا فهم يعانون من هذه الأمراض، لقد اهتم الإسلام بالنظافة الشخصية وجعل الشرط الأساسي لصحة الصلاة الوضوء، كما حث على حلق الشعر وتقليم الأظافر وقص الشارب، وأمر الرسول بنظافة الغذاء والأواني والطعام والأيدي والملابس والطريق ومصادر المياه فقال «إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفناءكم وساحاتكم، ولا تشبهوا باليهود يجمعون القمامة في دورهم» وقال المصطفى"بورك في طعام غسل قبله وغسل بعده"، ونهى عن النفخ أو التنفس في الإناء حتى لا يؤدي إلى انتقال الأمراض المعدية كالأنفلونزا وغيرها وتغطية الوجه أثناء العطاس والتثاؤب حتى لا ينتقل الرذاذ للآخرين وحذر الرسول من التبول في أي مكان يرتاده الناس وحذر من عدم التطهر بعد التبول، ونادى بالحجر الصحي والعزل للوقاية من الأمراض المعدية ووضع الرسول قيوداً على من كان مرضه معديًا فقال«لا توردوا الممرض على المصح»، وحث على الصدقة "وداووا مرضاكم بالصدقة" وقال«واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء» ونصح بتناول سبع حبات من التمر في الصباح وتناول حبة البركة، كما عرف الرسول بحبه للطيب وتطيبه وتعطره وكان صلى الله عليه وسلم يكثر التطيب وتشتد عليه الرائحة الكريهة فالطيب له تأثير في حفظ الصحة النفسية العقلية والجسدية. إن تطبيق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته العام منها والخاص يسهم في الحد من مشكلة انتشار الأمراض بل والتخلص منها فنحن كمسلمين ينبغي أن نتمسك بهذه التعاليم لأنها جزء من الدين ولثبوت فائدتها لصحة الإنسان والحفاظ على البيئة والحماية من الأمراض بإذن الله. أسأل الله لي ولكم الصحة والعافية.