الدبلوماسية السعودية عادة ما تجنح الى الهدوء وعدم التأزيم ولا تميل الى أساليب التصعيد والمواجهة. ولذلك لا يعرف عن السعوديين ميلهم للدعاية الإعلامية او ما يسمى بالبروغاندا لا سيما فيما يتعلق بقواتهم المسلحة وقدرات بلادهم الدفاعية العسكرية. العمل بصمت وبعيدا عن الصخب وفق رؤية استراتيجية هو باختصار المعادلة التي تنتهجها وزارة الدفاع السعودية. ولا يوجد في قاموسها العسكري لغة عنترية او نوايا توسعية او مسلكيات تدخلية او مطامع إقليمية الا انها وفي ذات الوقت لا تسمح لأحد من ان يمس شبرا من أراضيها كما يردد دائما قادتها الذين تعاقبوا على تولي زمام سلطة الحكم فيها. كان تمرين «سيف عبدالله» رسالة لكافة الأطراف المعنية، بأن السعودية على أهبة الاستعداد، وسياستها دفاعية لا عدوانية، وهي تضع كل الاحتمالات والسيناريوهات وسوف تتعامل معها. وأن سياسة الهدوء والحكمة وعدم التصعيد لا تعني بأي حال من الأحوال ضعفا غير انه وفي خضم المخاطر والتداعيات وما يحدث في المنطقة من محاولات تهويل وتشويش وتوزيع أدوار وإخلال بموازين القوى كان من الأهمية بمكان أن تضع السعودية الأمور في نصابها وترسل إشارات واضحة لأطراف عدة قد يعنيها الامر بشكل او بآخر. طبعا المسألة هنا وفي كل الاحوال ليست لها علاقة بإثبات وجود او رغبة تحد او حالة عدوانية شوفينية مزعومة، بل هي ببساطة نقل صورة لواقع حي، أي قوام وعتاد وقوة الجيش السعودي. على ان من يتأمل اللغة الدارجة على المسرح الدولي، يصل لقناعة بانه لم يعد بالإمكان الثقة بضمانات القوى العظمى فضلا عن المؤسسة الأممية التي انهارت مبادئها، أي بعبارة أخرى في عالم اليوم لو كنت ضعيفا فستأكلك الذئاب، ولذا الفطن هو من يبادر ويستعد ويتأهب ويعد العدة وفي وقت السلم تحديدا من اجل ايجاد القوة الرادعة التي تحمي الوطن. وهكذا كانت الرؤية الاستراتيجية السعودية والتي ما لبثت ان كشفت عن منظومتها العسكرية الشاملة وإمكاناتها وقدراتها وذلك لتتأكد أولا من ان كل شيء يسير وفق ما خطط له، وثانيا انها تطلع لمن لا يملك المعلومة او من يحاول نفيها او ربما تجاهلها لا سيما وان ملامح المنطقة من الناحية الجيوسياسية تتعرض اليوم لموجة من الطموحات الإقليمية، ناهيك عن حالة الارتباك في ترتيبات الأمن الإقليمي. هذه الرؤية بطبيعة الحال استندت على قاعدة تحليل الأحداث والمتغيرات واستقراء التطورات المستقبلية من أجل حماية مصالح البلاد العليا آخذة في الاعتبار تقويم كل المهددات والمخاطر. ولذلك جاءت مناورات "سيف عبدالله" التي مثلت حربا مفترضة جرت على مسرح عمليات في ثلاث مناطق ذات تضاريس ومستويات جغرافية ومناخية مختلفة في شمال وشرق وجنوب المملكة، وامتدت الى 15 يوما في أضخم مناورات وتمارين عسكرية تشهدها البلاد، بمشاركة من كافة أفرع القوات المسلحة بالإضافة الى وزارة الحرس الوطني ووزارة الداخلية. مشاهد بانورامية من طائرات وسفن ومروحيات ومعدات ارضية متنوعة ومركبات قتالية ودبابات ومنظومات صواريخ مضادة للطائرات. التمرحل التكتيكي هو سمة هذا التمرين الضخم الذي كان مرجعية قراراته العسكرية مرتبطا بمركز عمليات موحد في عاصمة البلاد الرياض. ثمة رسائل قوية خرجت عن "سيف عبدالله" فكانت الاولى رسالة اطمئنان للداخل إزاء جاهزية قواتنا المسلحة وتحسبا لأي ظرف يضطرنا لمواجهة عدو، وثانيا رسالة قوة وردع وتحذير للقوى الإقليمية في المنطقة ومن يقف معها من مؤيدين وحركات وأحزاب فضلا عن الأسد والمالكي وإسرائيل، ناهيك عن اشارتها للغرب وهو الأهم في تقديري في اننا قادرون على الدفاع عن أنفسنا واراضينا ومقدساتنا. ضيوف كثر من دول عربية وصديقة قدموا لمشاهدة الحدث الكبير غير ان اللافت في تواجد وزير الدفاع الباكستاني الذي لم يأت بالتأكيد للسياحة، بالإضافة الى حضور القادة الخليجيين وممثليهم عدا قطر، وهي رسالة للأخيرة في انها ستعود للحضن الخليجي طالما انها التزمت بتنفيذ اتفاق الرياض، والا عليها ان تتحمل نتائج أفعالها، لان دول الخليج مصيرها واحد ولا تقبل بان يشرخ كيانها ويعبث بأمن شعوبها. كان التمرين تاريخيا وجاءت نتائجه مذهلة وفق الخبراء العسكريين حيث تم تعبئة القوات لأداء مهامها والتي برهنت على امتلاكها لكفاءة عملياتية متوائمة مع مختلف الظروف المناخية والمكانية وذلك من" تطبيقها لكثير من الخطط والتكتيكات العسكرية الدقيقة، كإدارة المعارك، وخطط سرعة تغيير المواقف وقت الاحداث، والتعامل مع أكثر من تهديد في وقت واحد." كما ان الذي يعكس لك اهمية هذه المناورة وتأثيراتها هو ردود الفعل التي تناولتها بعض وسائل الاعلام الغربي فضلا عن الايراني والاسرائيلي. جاءت التحليلات مختلطة بحالة من الذهول والوجوم والدهشة والتي اعترت بعض كتابها لا سيما ومنهم من وصف الاستعراض العسكري بالقوي والمهيب، وان الجيش السعودي أصبح من اقوى جيوش المنطقة بسبب تنوع مصادر سلاحه وقدرات عناصره الفائقة واساليب تدريبه. في حين ركز البعض الاخر على الصواريخ البالستية واسلوب الردع، مؤكدين قدرة الرياض على حماية نفسها ومصالحها دون الاعتماد على أحد. صفوة القول، كان تمرين "سيف عبدالله" رسالة لكافة الأطراف المعنية، بأن السعودية على أهبة الاستعداد، وسياستها دفاعية لا عدوانية، وهي تضع كل الاحتمالات والسيناريوهات وسوف تتعامل معها. وأن سياسة الهدوء والحكمة وعدم التصعيد لا تعني بأي حال من الأحوال ضعفا، أو خشية من المواجهة، أو تفريطا في السيادة، فهي وإن كانت تبتسم فهذا لا يعني أنه ليس لديها أنياب تُكشّرها عند الضرورة.