في الوقت الذي يشعر فيه المواطن بالفخر بسرعة إنشاء مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة والمشاريع المحيطة والمرتبطة بها وفق التصاميم والتقنية العالية، برزت من جديد المشاعر المتفائلة بأننا نستطيع فعلا أن ننجز مشاريعنا وأن مشاعر الإحباط من تأخر وتعثر بعض المشاريع وفشل حلولها يمكن أن تنتهي لو تم التشخيص الصحيح لمشاكلها وتم توفير متطلبات النجاح لها كما تم لهذا المشروع. فمع أن شركة ارامكو شركة نفطية إلا انه عندما كُلفت بإنشاء المدينة الرياضية كان الجميع على ثقة بنجاحها ليس لخبرتها في قطاع المقاولات أو إنشاء الملاعب الرياضية وإنما لكونها شركة تطبق بإدارة مشاريعها منهج "إدارة المشاريع" بمفهومة الصحيح وكامل متطلباته، وتعمل بفكر إداري مختلف عن الفكر الحكومي ولديها استقلالية في اتخاذ القرار ومحفزات وصلاحيات ومسئوليات واضحة لمهندسيها ومديري مشاريعها ومعايير بإعداد وثيقة مشاريعها واختيار مقاوليها والإشراف عليهم، والأهم الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة لتكامل نجاح المشروع، وجميعها تستند عليها في تحديد التكاليف الإجمالية للمشروع وليس اعتماد المشروع هو من يحدد التكلفة كما هو واقع مشاريع جهاتنا، ولذلك حددت ووفرت متطلبات النجاح لإنشاء المدينة كما يجب أن تكون ولم يكن وفق ماهو معتمد، وقد ساهمت قوة الإدارة والإشراف على المشروع في تذليل الصعوبات وتنفيذه خلال الوقت المحدد، وكذلك نفذت المشاريع المحيطة بها أيضا بمواصفات عالية وبالتزامن مع مدة تنفيذ المدينة عندما منحت جانباً من الدعم والاستثناء لسرعة انجاز المدينة، أي أن التركيز على إدارة المشروع وسرعة تجاوب جميع الجهات ساهم في سرعة الانجاز ولم يغرق هذا المشروع في بحر التأخر والتعثر مثل معظم المشاريع! وقد برزت مع تكليف شركة أرامكو بالإشراف على إدارة مشاريع البنية التحتية وتصريف السيول بجده وسرعة تنفيذها لجامعة الملك عبدالله (كاوست) مطالبات بتكليفها بتنفيذ مشاريع تعليمية وصحية وبنية تحتية متعثرة ببعض الجهات، ولم يتم البحث عن الأسباب التي تقف خلف نجاح أرامكو في تنفيذ مشاريع ليست لها علاقة أو خبرة بها وما الذي تتميز به عن جهاتنا الحكومية؟ فالحقيقة التي نراها أن جهاتنا أُسندت إليها مشاريع كبيرة خلال سنوات قصيرة شهدت تسرب الكفاءات الفنية والإدارية وأجبرت على أن تتعاقد وتدير مشاريعها بأساليب قديمة وعبر قص ولزق لمواصفاتها وتصاميمها وتنفذ مشاريعها بعقود غير واضحة ومع مقاولين متفاوتي القدرات متشبعين بالعقود المتأخرة مع جهات متعددة ويشرف عليها استشاريون بكفاءات ضعيفة وربما بشهادات غير صحيحة، والاهم تدير الجهة مشاريعها عبر مهندسين جدد او منزوع عنهم الفكر القيادي والمسؤولية، ومع أن لديهم مئات المشاريع بالمليارات مازلنا نستكثر عليهم الكادر الهندسي والراتب المستحق للجهود الميدانية لمتابعة المشاريع، لينحصر دورهم كوسيط بتجميع أوراق ومخاطبات ورفعها لمكاتب مسؤوليهم! هذه هي الطريقة المتبعة في إدارة المشاريع بالجهات الحكومية فلماذا نستغرب نجاح أرامكو في إدارة مشاريع تنفذها شركات وطنية وتدار بعقول سعودية؟ فالحقيقة أن هناك نجاحات كبيرة تتحقق بالمملكة وعبر شركات وطنية او متحالفة مع أجنبية إذا وفرت لها متطلبات النجاح، فالمشاريع الناجحة لا تقتصر على "الجوهرة" التي تعتبر إنجازاً يمكن أن يتكرر في مشاريع جهاتنا إذا وفرنا متطلبات ضرورية للمشروع منذ بدايته وحتى اكتماله كمشروع متكامل وأهمها الإدارة الناجحة وتطبيق المنهج العلمي المغيب بجهاتنا في"إدارة المشاريع" بالقوة في التوجيه واتخاذ القرار والاستقلالية للمتخصصين الذين تتوفر لديهم الخبرات والمهارات القيادية وروح المسؤولية لإدارة مشاريع الجهة بصلاحيات كافية تدعمها رواتب محفزة ورقابة ومحاسبة فعاله لضمان جودة الإدارة والتنفيذ والإشراف، ويمكن كخطة إنقاذ أن ترتبط إدارة المشاريع في كل منطقة بإمارة المنطقة للدعم في تذليل المصاعب وحل المشاكل مع الجهات الأخرى، وليتفرغ مسؤولو جهاتنا لمهامهم الأساسية بعيدا عن المركزية في إدارة مشاريع من كثرتها لايعلمون أين يتم تنفيذها!