منذ سنوات ونحن نسمع بالمشاريع المتعثرة والقرارات الاستثنائية التي اتخذت لحل مشاكلها وحرص الجهات الرقابية على الرفع دورياً بتقارير المتابعة لها، إلا انه مع ذلك كان واضحا عدم فاعلية ما تم اتخاذه من قرارات لمعالجة تلك المشكلة وأصبح الجميع يتساءل أين يكمن الخلل؟ التعامل الحالي من جهاتنا التنفيذية مع مشاريعها المتعثرة يعتبر أحد أسباب التعثر غير المنظورة حيث أصبحت جهاتنا تركز على تضمين بياناتها على ما قامت به من مكاتبات لتبرير معوقات التنفيذ كإخلاء لمسؤوليتها وليس للمبادرة بحل المشكلة! وبرز ذلك واضحا بعد الربط الإعلامي الخاطئ بين المشاريع المتعثرة والفساد وتعامل بعض الجهات الرقابية وفق هذا المفهوم، مع أن المشاريع التي يكون للفساد دور كبير فيها يتم الحرص على إنجازها ودفن ملفاتها! وأمام الضغط النفسي على مسؤولي الجهة تم التركيز على سرعة التنفيذ وبأقل المواصفات! والواضح هو اللامبالاة من مديري وموظفي الإدارات التنفيذية بالجهة وفروعها والجهات الأخرى ذات العلاقة في التعامل مع مشكلة التعثر وكأن تلك المشاريع ليست في بلادنا! وبعيدا عن مشاكل أسعار التعاقد ومقاولي الباطن فان من أبرز أسباب التعثر جانب يتعلق بالجهات الحكومية وجاهزية مشاريعها للتنفيذ، بينما ما تم التركيز عليه بالقرارات الاستثنائية هو الدعم للمقاولين بالتأشيرات والدفعات المقدمة! فالمشاريع تحتاج الى مبادرات من الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة ككل، فعدم توفر الأراضي لبناء مدارس ومراكز صحية ..الخ معروفة منذ سنوات وهناك قرارات لم تُفعل لتوفير المواقع عبر شراء أراض أو مبان وهدمها لبناء مرافق حكومية مدارس وغيرها، وبدلا من تسريع عمل لجان التقدير نجد أن الجهة المختصة تنظر لمشاريعها بأنها عبء عليها وللتخلص من المشروع المتعثر تنفذه في أي موقع أو قرية وبتجاهل كفاءة الخدمة وبروز حالة التبلد في مشكلة الأراضي! كما أن مشكلة نقص التكاليف المعتمدة للمشروع المتعثر تمثل مشكلة عامة لكثير من الجهات وتتوقف إجراءات الترسية والتعاقد بسببها، في حين أن هناك وسائل أخرى يمكن القيام بها بالتنسيق مع وزارة المالية مباشرة لتعزيز تكاليفها خلال العام المالي لتسريع التعاقد أو بإعادة ترتيب الأولويات بين مشاريعها وإجراء مناقلات للمشاريع الأهم وعلى أن يتم إعادة اعتماد ما تحتاجه باقي المشاريع بالميزانية القادمة، فبدلا من تعثر (20) مشروعا يتم حل مشكلة (10) مشاريع أو أكثر وينحصر التعثر في عدد قليل منها، وهذا الإجراء تم اتخاذه لبعض الجهات، فالأمر يعتمد على حرص الجهة في توفير المسببات والإقناع لمسؤولي وزارة المالية بالمبررات! والمؤسف أننا نرى جهات تتعاقد على مشاريع ترفيهية وتجميلية وتهمل مشاريع أساسية بحجة عدم كفاية المعتمد لها بالميزانية! أليس ذلك عدم كفاءة في استخدام الاعتمادات بالجهة؟ وهناك أمر لا يقل أهمية وهو انه في ظل تسرب الكفاءات الفنية والإدارية وكثرة المشاريع وكثافة الأعمال الورقية تعتمد الجهات الحكومية التي اعتمدت لها مشاريع كبيرة - وهي جهة غير متخصصة - على الاستشاريين الذين مع انحدار مستوى أداء معظمهم هم المستفيدون الوحيدون من تعثر المشاريع! ودعم ذلك غياب الزيارات المفاجئة من متخذي القرار للمراقبة وحل المشاكل في الموقع والتنسيق مع مسؤولي المدينة أو المحافظة لتذليل المعوقات! فالعمل الإداري عبر خطابنا وخطابكم ليس الآلية الفعالة للمتابعة وإزالة المعوقات! وأخيرا فانه لتفعيل دور متابعة المشاريع المتعثرة يتطلب ببساطة جهدا إداريا وعبر فكر قيادي - وليس رقابيا - للتعامل مع الجهة المختصة بالمشاريع المتعثرة ووزارة المالية وأي جهة حكومية أخرى أو قطاع خاص يعيق إنجازها وعبر البحث مفصلا في سبب مشكلة كل مشروع، ليس لتحميل الجهة مسؤولية التعثر وإنما لتوفير الحلول العملية لمشكلة التعثر، ولكن إذا استمر العمل وفق الفكر الحالي ولم يتم تطبيق الرؤية بالعمل الجماعي ستستمر جهاتنا في تعاملها وكأن كل جهة تعمل في جزيرة منفصلة وتتعثر مشاريعنا لأسباب إدارية وبمسؤوليات مشتتة وستتحمل اعتمادات الصيانة تبعات سوء التنفيذ!