أو انحرفوا وأقصد التنويريين العرب وبالذات اثنان منهم وهما طه حسين، وعباس محمود العقاد، وقبل أن أتحدث عنهما لابدّ أن أتحدث عن التنويريين الأوروبيين فهؤلاء من أمثال سبينوزا وديكارت وجون لوك كان لهم الفضل فيما حققته أوروبا من نهضة ومن تبوأ مكانها هذا الذي نشهده في مضمار الحضارة، وطه حسين من أوائل التنويريين العرب وقد أيقظ كتابه « في الشعر الجاهلي » الوعي العربي، ورغم أنّ القضاء المصري ممثلا في النائب العام محمد نور برأه من تهمة المروق أو الالحاد، إلا أنه انقلب على عقبه بعد حين، وأعاد إصدار الكتاب تحت عنوان جديد هو « في الأدب الجاهلي » وحذف منه المقاطع التي كانت مثيرة للجدل، ثمّ انصرف إلى الكتابة عن الإسلاميات التي لم تضف جديدا إلى الفكر الإسلامي، كما فعل الطوفي الفقيه الحنبلي المتوفى سنة 716 هجرية الذي تجرّأ على توسعة حجية المصلحة وبسطها إلى الحدّ الذي أجاز من خلالها تغيير حكم النص في رسالته المسماة (في رعاية المصلحة) منطلقاً من مبدأ «حيثما تكون المصلحة فثمة شرع الله» ونعود إلى طه حسين فقد تملق العسكر بعد ذلك رغم أنه لم يكن في حاجة إلى المال وأصبح كاتبا في صحيفة الجمهورية التي أصدروها وكتب كتابات لم يكن لها أيّ قيمة تنويرية، والعقاد كان كاتبا تنويريا وعضوا في حزب الوفد المعادي للقصر، والذي قال في البرلمان : «سنكسر أكبر رأس في البلد إذا اعتدي على الدستور» وحوكم من جرائها وسجن شهرين، ثمّ انقلب بعد ذلك على عقبه، وأصبح من كتاب القصر، وأنهى حياته بكتاب : «عبقرية جيتي» امبراطور البترول، ولأنّ التنويريين العرب انحرفوا، فإننا نشهد الآن ما يحدث في العالم العربي من كوارث ومن سيطرة الفكر المتخلف والمتطرف.