مَنْ منا لا يذكر الكتاب ذائع الصيت (في الشعر الجاهلي) للدكتور طه حسين والذي صدرت طبعته الأولى عام 1926م وما أحدثه من ضجة كبرى على صعيد البحث العلمي أو على صعيد التيارات الإسلامية المحافظة، ناهيك عن المعارك الأدبية التي أشعل فتيلها هذا الكتاب مع نفر من أبرز الأصوات النهضوية في تلك الحقبة، وقد جاءت تلك الردود متمثلة بكتب متعددة ترد على كتاب (في الشعر الجاهلي) ومن أبرزهم مصطفى صادق الرافعي، ومحمد فريد وجدي، ومحمد الخضر حسين، ومحمد لطفي جمعة، ومحمد أحمد الغمراوي، إلى جانب حشد من المقالات التي نشرت في الصحف والمجلات المصرية في تلك المرحلة. تذكرت قضية طه حسين مع هذا الكتاب وأنا أتصفح كتاباً جديداً يدرس ويحلل الكتاب المذكور وقد وسمه مؤلفه الأديب الأستاذ سامح كُريِّم ب(في الشعر الجاهلي... تقديم ودراسة وتحليل) الصادر مؤخر عن الدار المصرية اللبنانية. والكتاب انطوى على جزءين ضم الجزء الأول ثلاثة أبواب عقد الباب الأول عن الشك في صحة الشعر الجاهلي متناولاً نظرية الشك ومنهج البحث وكذلك دوافع الشك في الشعر الجاهلي إضافة إلى أسباب انتحال الشعر الجاهلي وكذلك الشك في شعر شعراء الجاهلية. بينما كان الباب الثاني عن نقد الأدباء والعلماء لكتاب (في الشعر الجاهلي) وقد قسمه إلى جملة أقسام منها النقد قبل رحيل طه حسين سواء ما جاء في كتب أو مقالات، ومنها نقد كتاب طه حسين بعد رحيله والتي جاءت على هيئة كتب أم متخذة شكل المقالات والفصول. بعد ذلك يحلل المؤلف سامح كُريِّم هذه الكتابات والتي يبرز فيها مدافعاً عن العميد وموضحاً آراؤه وكاشفاً طائفة من الحقائق. أما الفصل الثالث والأخير فقد كان عن تطورات البحث في قضية الشعر الجاهلي ونتائجها وبذلك حلل كتاب (في الشعر الجاهلي) وناقش فكرة الشك عند طه حسين. معتبراً أن هذا الشك منهج عربي أصيل، ثم بين أن مؤلفات الدكتور طه حسين هي أول من تدافع عنه. في حين جاء الجزء الثاني من الكتاب حاملاً نص كتاب (في الشعر الجاهلي) كاملاً ومورداً نص مقالة (نشأة الشعر الجاهلي) لديفد مرجليوث، إضافة لمقالة مرجليوث في براءة طه حسين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا جاء هذا التحليل وهذه الدراسة لكتاب (في الشعر الجاهلي) وصاحبة قد رحل قبل زهاء أربعة عقود؟ والجواب ما ذكره المؤلف كُريِّم في مطلع كتابه إذ يقول: حتى يكف الناس ويقلع عن هذا الأسلوب الذي لا يستند إلى حجج أو أدلة وقد كان على امتداد حياته مستهدفاً لكل ألوان التهجم والافتراء والتطاول والتجريح حتى كانت الألسنة لا تكف والأقلام لا تجف وكلها تطالب بإدانة طه حسين ووضعه في قفص الاتهام، مع أنه لم يرد لأمته إلا الخير، فلم يكن متنكراً لدينه ولا خائناً لوطنه ولا مخرباً لثقافته ولا عابثاً بلغته.