إذا كان الشاعر يفتح النوافذ للمتلقي دون أن يمنحه عينيه ليرى ما يراه كما يرى جلّ شعراء هذا العصر .. فهل من وسيطٍ بينهما؟ في تاريخنا القديم ثمة ثنائيات بين الشاعر والقارئ النوعي أو ما يمكن أن نطلق عليه اصطلاحا ( الناقد القديم ) أكثرها تأثيرًا ربما ثنائية المتنبي وابي الفتح عثمان بن جني ..الذي قال عنه المتنبي ذات رواية ( ابن جني أعلم بشعري مني ) وهو من هذا المنحى يعد ذلك الوسيط الذي يحاور القصيدة ويقاربها كثيرا أو يكتشف جمالا آخرَ قد لا يستهدفه الشاعر ربما، على اعتبار أنه من غير الضرورة أن يكون الإبداع مقصودا حين يتم انتاج النص في حالة وجدانية شعرية هي أشبه بحالة السكر الوجداني التي يغيب معها الوعي الناقد أو الانتباه الفني الصرف داخل عملية التخلق الحقيقي للقصيدة ... في الثمانينات وهي الفترة الأزهى لقصيدتنا السعودية من حيث الحضور على أقل الأحوال، يرى كثير من المتابعين أن الاحتفاء القرائي والتلقي النوعي الذي قوبلت به التجارب المتطوّرة والمختلفة حينها من قبل عدد من نقادنا المؤثرين كان له الدور الأكبر في ذلك الحضور أو التوهج للقصيدة الثمانينية بغض النظر عن المحرّك الحقيقي لهذه المواكبة أو المتابعة والاحتفاء سواء جاءت خالصة لوجه القصيدة أو جاءت ضمن سياق تكتلات فكرية فرضتها ظروف تلك المرحلة، لكن ذلك التوهج الجمعي للقصيدة وقارئها خبا وهجه كثيرا مع بدء التسعينات على الرغم من أن القصيدة السعودية تتطور كثيرا وتنمو بشكل مدهش لافت للنقاد العرب الذين قاموا ويقومون بأدوار كبيرة في المقاربات والقراءات التي تحتاجها قصيدتنا السعودية على كل المستويات، في ظل تجاهلٍ كبيرٍ من قبل نقادنا لتجاربنا الشعرية عدا الانشغال ببعض الظواهر الجمعية لاستكمال مشروع بحث أكاديمي هنا أو هناك، وهذا كله خلق أزمة كبيرة في قصيدتنا الشعرية المعاصرة، ففضلا عما اعتدناه من نقادنا من جلدٍ مستمرّ لذاتنا الإبداعية في الشعر والرواية تحديدًا، افتقدنا أيضا ذلك القارئ النوعي الذي يقرّب المسافة بين النص والمتلقي ويمنح المتلقي بعض عينيه في أحايين كثيرة، وهو القارئ الذي قدمته لنا الملاحق الثقافية في صحفنا المحلية في فترة سابقة وتخلّت عنه هي الأخرى في هذا العصر لتواصل قصائدنا السفر باتجاه الشمس وحدها في سماء تعجّ بالنجوم والأبراج..