على مدى التاريخ لكليهما.. بين الشعر ونقده انتباهة الصباح لليل.. حين قال المتنبي ذات شعرٍ قديم: (بادٍ هواك صبرتَ أو لم تصبرا ) قيل له علام النصب يا أبا الطيب؟ .. قال لو كان أبو الفتح هنا لأجابك.. ثم نقل الرواة تخريج ابن جني لهذا النصب بقوله :على حذف نون التوكيد.. وحتى وإن كانت الرواية غير ما اعتسفتُها هنا يظل المتنبي ذاته هو صاحب المقولة الشهيرة(ابن جني أعلم بشعري مني)! هذه العلاقة الحكايتية بين النقد والشعر من خلال المتنبي وابن جني وهذا الأخير أكبر من ناقد وأعظم من متلقّ بل إنني كنت ومازلت أعده واحدا من أهم فلاسفة اللغة في تاريخنا الكلامي هذه العلاقة لايمكن أن نتجاوز سلالاتها على الرغم من سذاجتها في تعاقب عصور الشعر حتى الآن حينما اختطّ النقد لذاته عالمه الإبداعي الخاص القائم على الاستكشاف أو التنظير له.. بمعنى آخر اعتمد على نوعية التلقّي من جهة من خلال تغذيته معرفيا وثقافيا.. وعلى الثقة في التخريج والتأويل بناء عليها من جهة ثانية.. ولهذا ظل يبحث عن ذاته دائما من خلال الإبداع حتى وإن مارس فوقيته عليه غالبا.. هذه العلاقة هل مازلنا بحاجة إليها بذات الآلية التاريخية هذه ؟ سؤال مشرع لكل شيء فكما أن لنعمٍ فيه مسوّغاتها كذلك للنفي مايسوّغة حينما بات النص الشعري المعاصر أكبر من القول وأقرب إلى الرؤيا وهذا ما يفسّر لي شخصيا هذا الغياب الكبير المواكب لكل هذه الإصدارات الشعرية المتلاحقة... لايزال الشاعر ينشد الجمال ولا يزال الناقد مكتشفه فيه .. فالشاعر غالبا لا يعي ذلك الجمال حينما يبلغه وهو تحت نشوة القصيدة إلا من خلال ناقدٍ يتتبّع رحلته إليه بوعي لايخلو من النشوة الذاتية حتما .. ولا يسكر بكأس الشاعر حينما ينتشي بذاته... هكذا دائما يتبع النقد الشعر ليأخذه معه لأفق آخر يتوخّاه أحيانا ويعتسفه في أحايين كثيرة .. فالعلاقة بينهما علاقة نشوء وتخلّق... فالشاعر يفترض ما يريد والناقد لايعنيه إلا ما بلغه الشاعر من إرادته.. ومع هذا يظل غياب الناقد عن القصيدة جزءا لايتجزّأ من أزمة الشعر المعاصر.. تماما كغربة الشاعر.. أو كانصراف المتلقي للترفيه بعيدًا عن الشعر ..!