كلمة واحدة تحمل في مضمونها معاني كثيرة، وأسمى هذه المعاني شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وهناك شهادة ثانية ضمن الله بها الجنة لمن يحصل عليها، وهي شهادة الموت في سبيل الله. وإلى جانب هذه المعاني السامية، هناك شهادة ثالثة تؤدي بصاحبها والعياذ بالله إلى جهنم، ألا وهي شهادة الزور. وأخيراً، فهناك شهادتان لا بد لكل انسان من الحصول عليهما، الأولى عند ولادته، وهي شهادة الميلاد، والثانية يستلمها عنه ورثته، وهي شهادة الوفاة. هذه مقدمة بسيطة اردتها للدخول في الموضوع الذي أنا بصدده، وهو موضوع الشهادة الدراسية التي اصبحت اليوم ضرورة من ضرورات الحياة، يحرص الكثير من الناس للحصول عليها، لأنها الوسيلة الوحيدة للحصول على وظيفة محترمة، وبدونها يحرم الانسان من حقه بالتوظيف مهما كانت كفاءته واخلاصه وثقافته التي تؤهله أن يكون عضواً نافعاً في أي موقع يوجد فيه. مما لاشك فيه ان طلب العلم واجب ديني ودنيوي، وقد حثنا ديننا الحنيف على طلب العلم، والقرآن الكريم فرق بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وقال صلى الله عليه وسلم "العلماء ورثة الأنبياء". وعلة مر العصور والأزمان، فإن تاريخنا العربي والاسلامي حافل بعظماء العلماء الذين وضعوا أسس ومناهج معظم العلوم الحديثة في جميع مجالات الحياة، وكان الواحد منهم يسافر من بلد إلى بلد آخر بحثاً عن معلومة يطلبها ويفني سنوات عمره في كتابة مؤلفاته بخط يده تحت ضوء السراج، وبأدوات بدائية بسيطة. إن الأمور في حياتنا اليوم اصبحت تسير في غير مسارها الصحيح، فقد أصبحت الشهادة الدراسية هي المقياس في عملية تقييم الاشخاص اجتماعياً، وكلما كبرت الشهادة غطت على كثير من الأمور السلبية في حياة حاملها، إن ما دفعني للكتابة هو وجود البعض من حاملي الشهادات الذين يرون انفسهم فوق مستوى البشر، وترى الواحد منهم يزبد ويرعد إذا لم تناده بلقب ما يحمله من شهادة، أو إذا لم تضع قبل اسمه الحرف دال على شهادته، كحرف الدال للدكتور، وحرف الميم للمهندس، وغيرها. ولا أملك إلا أن اقول سامحهم الله وهداهم، وإلى من يرى انه قد ارتفع اجتماعياً بشهادته، اقول: 1. إن الشهادة لقب علمي لا أكثر ولا أقل، وقد جاءنا مع الأنظمة المستوردة، وهي لدرجة علمية تعني بداية الطريق وليس نهايته كما يتصور هؤلاء، فالعلم والتعلم ليس له نهاية والآية الكريمة تقول (وَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا) الإسراء آية 85. والشاعر العربي يقول: قل لمن يدعي العلم معرفة.. عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء. 2. يخلد التاريخ العظماء الذين قدموا لمجتمعهم وللبشرية أجمع ما يستحق الشكر والثناء، على الرغم من أنهم لمن يكونوا يحملون أي شهادات علمية. 3. إنك حصلت على شهادتك في مجال واحد من مجالات الحياة المتعددة والمتشعبة، هذا ان كنت فعلاً أخذتها عن جدارة، والله أعلم بمستواك في المجالات الأخرى. 4. هناك العديد من أمثالك خدمتهم الظروف وحصلوا على أعلى الشهادات بطرق وأساليب مختلفة، وحن نسمع بين فترة وأخرى بملاحقة وإغلاق مكاتب تبيع الشهادات المزورة، وسمعنا أيضاً بأن الجهات المختصة سحبت أعداداً كبيرة من شهادات الماجستير والدكتوراه المزيفة. 5. قارن بينك وبين جابر بن حيان أو ابن الهيثم أو ابن سينا، وكل هؤلاء لا يحملون شهادة مثلك، ولكنك صفر على الشمال بالنسبة لهم.