هذه الجموع الحاشدة التي تأتي من كل فج عميق لتؤدي مناسك الحج، وتبتغي مرضاة الله مبتهلة إليه بالعبادة في بيته المطهر.. هل يحق لها أن تبالي بصحتها الجسمانية،، وهي تعيش في جو روحاني خالص؟ أليست صحة الروح اولى بالعناية من صحة الجسد؟ والدليل على ذلك أن الصحة ليست معياراً لفرز الحجيج فالشاب الصحيح يحج، والمرأة الحبلى تحج، والمصاب بعلة مزمنة يحج والشيخ المتهالك يحج، على الرغم من هذا فإن كل هؤلاء يسعون لاتمام مناسكهم ولا يريدون أن يفوتوا منها نسكاً، وكلهم يرجون العودة سالمين غانمين - باستثناء فئة قليلة - ربما ترجو لقاء ربها في رحاب بيت الله الحرام. من أجل ذلك أقامت وزارة الصحة العديد من المنشآت والخدمات الصحية لتقدم لضيوف الرحمن الرعاية الصحية التي يحتاجونها، ومن أجل ذلك جندت اكثر من تسعة آلاف فرد من موظفيها ما بين طبيب، وممرضة وممرض وفني وإداري ليقوموا على خدمة صحة الحجاج . ولاشك ان اغلب المستفيدين من هذه الخدمة يراجعون لأسباب طارئة (حوادث - نزلات معوية - إجهاد.. الخ) وهي أسباب من الممكن اجتنابها أو اجتناب بعضها بشيء من الوعي والتنظيم وتحاشي الزحام الا ان الخدمات المتاحة توفر لفئة من الحجاج فرصة أعظم من ذلك وهم أولئك الحجاج الذين يعانون من أمراض سابقة لحجهم، ذلك أنهم يستطيعون متابعة حالتهم الصحية والاستمرار في تناول ادويتهم وعلاجاتهم خلال أيام أداء المناسك وفي أي وقت يناسبهم. فهم ليسوا في حاجة الى تناسي ذلك أو الانشغال عنه بالعبادة، بل إن من العبادة أن يداوموا على مراقبة وضعهم الصحي وتناول علاجهم حتى يكونوا قادرين على أداء نسكهم وإتمامها على الوجه الشرعي الصحيح، وحتى لا يكونوا كمن يلقي بنفسه الى التهلكة وهو قادر على تجنبها. الخدمات الصحية المتاحة في مستشفيات مكة والمشاعر المقدسة، والمدينة المنورة ومراكزها اصحية توفر وسائل الفحص والتشخيص والعلاج الدوائي والجراحي لكل الأمراض الشائعة فهي متاحة للمريض بالربو، أو بارتفاع الضغط، أو بالسكري أو بالفشل الكلوي - وغير ذلك من الأمراض المزمنة التي تتطلب علاجاً مستمراً -. ويستطيع الحاج المحتاج أن يوفر كثيراً من العناء على نفسه إذا كان يحمل بطاقة أو سواراً يحوي بيانات عن حالته الصحية. على الحاج أن يتذكر اذاً أنه ليس في حاجة الى ان يستغني بضعة ايام عن دوائه او متابعة مرضه لأن كل ما يلزم لذلك متوفر في المرافق الصحية وفي متناول الحاج أينما كان. فإن العاملين في هذه المرافق الصحية وضعوا أنفسهم على مدار الساعة في خدمة ضيوف الرحمن الضعفاء ليكون باستطاعتهم أن يؤدوا حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً. والله الحافظ والمعين. ٭ مستشار وزير الصحة