أشرت في مقال الأسبوع الماضي إلى أهمية دور القطاع الحكومي في الاقتصاد وضربت مثلا على ذلك بسابك وأرامكو وتمنيت أن يكون لدينا عشرات الشركات على غرارهما. ولهذا فإن تصريح معالي وزير المالية بأن الفترة القادمة سوف تشهد انطلاق الشركة العربية السعودية للاستثمارات الصناعية أمر على قدر كبير من الأهمية. خصوصاً وأن هذه الشركة سوف تكون ذراعا قويا لأهم شركتين صناعيتين؛ هما سابك وأرامكو اللتان سوف يكون نصيب كل منهما في إجمال رأس مال الشركة هو 25% . في حين أن النصف الثاني من رأس المال سوف تساهم به إحدى أهم الجهات التمويلية لدينا ألا وهو صندوق الاستثمارات العامة. إن عودة القطاع الحكومي للعب دور القائد والموجه للاستثمارات، على غرار ما كان عليه الحال في الثمانينات من القرن المنصرم، عندما كنا نشيد الصناعات الاساسية في الجبيل وينبع، سوف يكون له تأثير كبير على التطورات الاقتصادية خلال السنوات القادمة. فالشركة المزمع انشاؤها سوف تكون بمثابة الرافعة الحكومية لتوجيه الاستثمارات إلى تلك المجالات الصناعية التي نتمتع فيها بمزايا نسبية. وعلى هذا الأساس فإن الفترة القادمة سوف تشهد تطورا ملحوظا للصناعات التحويلية في العديد من المجالات الصناعية مثل قطاع معدات الطاقة والمياه والكهرباء وقطاع معدات صناعة النفط والغاز وقطاع السيارات. إذاً فمن المتوقع أن تكون خطة التنمية القادمة خطة خمسية نوعية. فالمشروعات التي أشار إليها معالي الوزير مهمة لاقتصادنا من عدة نواحٍ. فأولاً سوف تمتص هذه المشروعات البطالة أو على الأقل تخفض من نسبة العاطلين عن العمل بنسبة كبيرة، خصوصاً بين الشباب. ثانياً سوف يؤدي التوجه الحكومي نحو الاستثمار في الصناعة التحويلية إلى ارتفاع الانفاق الاستثماري الصناعي ورأس المال الصناعي الثابت في الخطة القادمة بنسبة كبيرة. وهذا مهم لأن القطاع الصناعي في اختلافه عن الكثير من القطاعات الاقتصادية يساهم في انتاج القيمة المضافة بنسبة كبيرة. وعلى هذا الأساس يمكن أن نتوقع ارتفاع مساهمة الصناعة التحويلية غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي خلال خطة التنمية القادمة (2015-2020) إلى نسب أعلى مما هي عليه الآن 9% إلى 10%. وهذا أمر مهم لأن القيمة المضافة المنتجة في القطاع الصناعي هي قيمة مضافة متجددة لعدة سنوات. ومن الأمور المهمة التي سوف تترتب على إنشاء الشركة العربية السعودية للاستثمارات الصناعية هي زيادة الانفاق الاستثماري الصناعي الخاص وربما ظهور شركات صناعية خاصة كبيرة. فهذه الشركات بالإضافة إلى مساهمتها في رفع نسبة التوظيف في الاقتصاد سوف تغير بشكل كبير من هيكل قطاع الأعمال الذي يغلب عليه الطابع التجاري. فميلاد شركات سعودية صناعية على غرار هيونداي وال جي الكوريتين سوف يغير، إذا ما أضفنا إلى ذلك الشركات الحكومية الصناعية الجديدة، من الطابع الريعي لاقتصادنا. ومجمل القول إن القطاعات الصناعية الحكومية منها والخاصة التي سوف يتم انشاؤها خلال خطة التنمية القادمة سوف تعطي دفعا قويا للتحول الذي نسير عليه لإنشاء اقتصاد متعدد المزايا النسبية. أو بمعنى آخر فإن الحلم بتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط سوف يقترب إلى أن يصبح حقيقة.