لما كانت مهنة الطب من أشرف المهن وأسماها غاية فقد ورد ذكر فضلها ومشيداً فيها في الاوامر الشرعية حتى صار علم الابدان قرين علم الأديان، فقد قيل إن المطالب نوعان: مطلب منفعة، ومطلب لذة.. وهذان المطلبان لن يتم الحصول عليهما إلا بوجود الصحة. إذا كانت الصحة على هذا الجانب من الأهمية بمكان فإن ولاة أمر هذا البلاد حفظهم وحفظها الله كانت لديهم رغبة صادقة هي أن تكون الصحة على قمة أولويات الهرم.. وعلى الرغم من تقدم مرفق الصحة في بلادنا إلا أننا نطمع بالمزيد لأن الاستثمار في العنصر البشري من ضروريات ركائز التنمية فلا انتاج إذا لم يكن العنصر البشري عليه المعول في حراك الانتاج. إذا كنا نرى أننا نتوق إلى خدمات صحية جيدة فإن غياب هذه الرغبة حال دونه عدة أسباب جوهرية لا يمكنني أن آتي على ذكرها جميعاً ولكن سأتطرق إلى المهم منها ومنها: - ضعف بعض الكوادر الطبية لاسيما أولئك الذين لا يتماسون مع قمة الهيكل الصحي فهم لا يملكون مستوى عاليًا في معرفة أمور هذه المهنة، وإنما هم أطباء ضعاف المعرفة فالمريض يأتي إلى هذه المشافي التي يعمل بها مثل هؤلاء فلا يجد الوعي التام ولا الاهتمام به. - إن مهنة الطب مهنة ذات عوائد مالية مرتفعة فالتهافت عليها كبير وهذا التهافت تقوده اعتبارات مالية واعتبارات اجتماعية يحظى بها هذا المجال. في حين أن مهنة الطب يجب أن يكون المحفز الأول والأخير لها هو حب مزاولة هذه المهنة. إنه مع الأسف الشديد أن المعول عليه في قبول الطالب في كليات الطب هو مستواه التعليمي النظري الصرف والدرجة التي حصل عليها في الشهادة الثانوية!!. إن كثيرا من الطلاب قبلوا في كليات الطب لأن مستواهم النظري عالِ ليس إلا وكم من طالب يحب مزاولة مهنة الطب إلا أن درجته منخفضة لسبب أو لآخر نراه حًرم مما يرغب. ولكي أدلل على صحة ما ذهبت إليه هو اننا نرى أن أطباءنا يلتحقون في الوظائف الإدارية في مستشفياتنا مبتعدين عن مزاولة مهنة الطب الصرفة. - إن عدم تفعيل التأمين الصحي الذي يدفعه كل مواطن لمرفق الصحة بات اليوم ضرورة صحية كما أنه قبل ذلك ضرورة دينية طبقاً لمبدأ (وتعاونوا على البر والتقوى) فالتأمين الصحي مبدأ من مبادئ التكافل الاجتماعي فالشخص الذي سلمه الله من تبعات المرض يساعد من حل بساحته المرض.. إن التكاليف في مرفق الصحة عالية ولن يُسد هذا العجز إلا بمساعدة التأمين الصحي. - إن المريض لا يعتمد شفاؤه على حبة الدواء ومشرط الطبيب فقط بل هناك ما هو أهم منهما بكثير وهو رفع الروح المعنوية للمريض.. والروح المعنوية المرتفعة لن تتأتى إلا بعدة أشياء منها سلامة الجانب النفسي للمريض التي يسبغها الطبيب على مريضه.. إذًا فالعامل النفسي مهم في سرعة الشفاء، بل لا أبالغ إن قلت إنه الشفاء بعينه علما أن الروح المعنوية للمريض لن تكون موجودة إلا إذا كانت مشافينا مهيأة بكل ما يبهج المريض مثل سعة الغرفة وتجميلها، ووجود وسائل الراحة والترفيه، ووجود الزهور والنبات في الغرف.. كما يجب أن يكون السرير الذي يرقد عليه المريض سريراً ذا نوعية جيدة. إن غرف مستشفياتنا مع الأسف الشديد لا تجلب للمريض السعادة والراحة بل تجلب له الهم والغم. - إن أطباء الغرب قد وعوا اليوم جيداً أثر الدين والصفاء الروحي فذهبوا يسقطون ذلك على مرضاهم مما يجعل المريض ذا معنويات مرتفعة تساعده على الشفاء ولكن مع الأسف الشديد إن الاطباء العرب باتوا اليوم يتوكؤون على مشارطهم وحبات دواء فقط ويحسبون ذلك هو الفيصل في مرحلة الشفاء!! إن أطباء العرب اليوم قد انبهروا بالعلم المادي الذي درسوه تحت قبب الجامعات وتناسوا مقولة أبي الطب (نحن نضمد والله هو المعالج) إذًا إن بث الصفاء الروحي والذهني للمريض من قبل طبيبه لهو أمر في غاية الأهمية. وختاما إني أرى أن هناك انفصالًا نفسيًا بين الطبيب ومريضه وإلا فالواجب أن تكون العلاقة متينة بينهما حتى يشعر المريض أنه بيد أمينة بعد يد الله تعالى. وما دمت أتكلم عن الصحة والطب فإني أرى أنه لابد أن تكرس العلاقة الوطيدة بين الطب التقليدي وأصحاب الطب الشعبي أو ما يسمى بالطب البديل لأن أطباء الغرب اليوم قد أعادوا النظرة في الطب البديل. دمتم في رعاية المولى.