(مكةالمكرمة) و (المدينة النورة) جوهرتان عربيتان دينيتان عالميتان، ليس هناك في أصقاع الدنيا ولا في بقاع الأرض مكان أو منطقة أو مدينة تمتلك مثلهما هذا الإيقاع الروحي وتلك النكهة الإيمانية، ولا ذلك الزخم التاريخي وهاتيك التحولات الاجتماعية والفكرية والثقافية، فإن ناكفنا أحد بأن ذلك لديكم أنتم أيها المؤمنون، فسنقول: إن ذلك تفرد وتفوق وغنى أنعم الله به علينا وفضلنا به على كثير ممن خلق. هذا جميل وقليل مما يمكن أن يقال في حق هاتين المدينتين المباركتين، غير أن أحداً منا عندما يعقد العزم على زيارة إحداهما فإن هماً غليظاً سوف يطاله، وإن تردداً محبطاً سوف يهد من عزيمته ومبادرته ! هناك سبب رئيس كبير في مقدمة الأسباب التي تجعل الهم والقلق وضيق الصدر يسكن القلب والنفس، وتحول تجربة الزيارة إلى نوع لئيم من الاكتئاب الذي سرعان ما يمسي غصة لا تتزحزح من أول الصدر، ذلكم هو الغلاء الفاحش في السكن والمعيشة حتى ليخيل للزائر مواطناً وسواه أن هؤلاء القائمين على شؤون السكن والمعيشة إنما هم جملة من العصابات والأعداء (لا يصدقون خبراً) أن يصطادوك متلبساً بالاحتياج والاضطرار حتى يمسحوا ميزانيتك من الوجود ، وبدلاً من أن تنشغل بالذكر والدعاء متألقاً بالرضا والأنس والسعادة بوجودك في هذه الأماكن والأجواء الاستثنائية بدلاً من ذلك تتحول إلى (مصاب) يكلم نفسه بجمل القهر وعبارات الامتعاض والدعاء على الظالمين! إليكم مثلاً هذا الأنموذج: في المدينةالمنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام طلب أحد النزل في سكن من غرفتين مبلغاً يقترب كثيراً من ألف ريال، وطلب مقابل إيقاف السيارة خمسين ريالاً في اليوم، ومثلها مقابل (الإنترنت)، وبدون تقديم إفطار كما في كل النزل المحترمة!! ماسبق يهم الأعم الأغلب من الزائرين الذين ترهقهم هذه المدفوعات الباهظة، ولا تعني حتماً أولئك الذين لايسألون عما يأتي ويذهب، كما أنها تعني بخاصة المضطرين إلى السكن قرب الحرم لوجود كبيري السن وذوي الاحتياج الذاتي. لست أدري عن أي كارثة سوف تحل ب (هوامير المال) لو أنهم وضعوا (مخافة الله) و (الإحسان) و(نزول البركات) و(الأجر والمثوبة) و(خير الدنيا ولآخرة) نصب أعينهم، وبخاصة في مثل هذه الأماكن التي هي جديرة بالبذل والعطاء والتضحية. أما المواد الغذائية الضرورية فحدث كثيرا ولا حرج عن فضاء ارتفاع الأسعار وعن غياب المراقبة والمتابعة، وعن تحول أماكن بيعها إلى (عربات) خشبية بدائية مكشوفة معرضة لكل ما يخطر في البال من الكوارث الصحية! لست أدري حتى هذه اللحظة، لماذا نحن مسكونون وبشكل يشع بهاجس الاستغلال، وبتفكير الاستفادة عن طريق الإضرار بالآخرين؟ ولماذا هذه الأنانية الطاغية التي قضت على كل منابت البر والخير والخلق الحسن والكرم وفروسية التعامل في ذواتنا؟ ألا يحق لنا أن نتساءل بغربة واستغراب:(ما الفرق بيننا وبين من لا خلق لهم ولا دين؟!).