أعترف لكم بأنني أحياناً أخرج من مكتبي باحثة عن القهوة لا لرغبتي في تناولها بل لأجد فرصة للهروب من زحام العمل والطلبات المتتالية والأسئلة الكثيرة وتراكم المعلومات والنتائج أمامي والتي بعضها غير مفسر وبعضها يحتاج لقوة تفكير أكثر وبعضها واضح لدرجة يغفل عقلي عنها. القهوة في تلك اللحظات وهي لحظات كثيرة تمثل لي مساحة هدوء وفرصه لتجميع الأفكار. تلك الخطوات من مكتبي للمبنى الآخر كي أقف في الطابور تتيح لي رؤية الشمس وتنفس الهواء بعيداً عن المكاتب والمعامل المغلقة. الفتى الذي يعد القهوة يلفت نظرك بطريقة تعامله، ابتسامته لا تذبل يتعامل من طابور من الواقفين بكل هدوء، يقف أمامه صغير لا يكاد يرى رأسه من خلف "الكاشير" وهو يصرخ قائلا:" محمد ...محمد هذي فلوس علشان قهوة" ينحني نحوه وهو يشرح له قائلا بهدوء:" هل طلبت منك ماما أن تأت بقهوة مع حليب أو قهوة بدون حليب؟" ليسمع الرد من الصغير ويحضر الطلب. سيدة مستعجلة لم تنتبه لطابور من المنتظرين دورهم لتتقدم بطلبها من أكواب القهوة ليقول لها بهدءوء:" حاضر بس لو سمحت أخلص طلبيات الزبائن المنتظرين في الطابور" طريقته الهادئة في لفت نظرها للآخرين الذين تجاوزتهم جعلتها تعتذر لتقول لسيدة أخرى:" ما صار شيء يا أختي الواحد ما ينتبه أحيانا" لتبدأ السيدتان في حديث جانبي عن أسباب زيارتهما للمستشفى. شاب لديه صعوبة في النطق والتواصل يقف متردداً أمام الساندويشات المعروضة ليخرج الموظف وبكل هدوء يقف معه حتى ينهي طلبه ويختار ما يريد. عامل يقف متردداً ممسكاً بعدة ريالات لا تكفي ثمن كوب قهوة وهو يطلب قهوة وساندويتش ليعطيه طلبه ويأخذ الريالات القليلة بدون أن يجرح مشاعره أو يخبره بأنها لا تكفي. لطيف هذا الشاب في طريقة تعامله مع مرتادي محل القهوة اليتيم في مدخل المستشفى المزدحم بالمراجعين، تجد فيه إنسانية في التعامل مع كل زبائنه الباحثين عن كوب قهوة أو قطعة كرواسون أو ساندويتش. طريقة انتباهه لتفاصيل الزبائن الصغيرة واهتمامه بهم يجعلك تبتسم لأنك تعرف أنك في كل زيارة ستحصل على كوب قهوة ودرس في حب العمل والإنسانية والتعامل مع الآخرين.