الوقت يمضي سريعا ولا ينتظر أحدا، والأمور أيضا لا تبقى على حالها، حتى الأشخاص أنفسهم يتغيرون مع تغير الوقت، حتى ولو أتى الزمان بشيء يتعارض مع أقوى ما يؤمن به البعض. مررنا بالسابق بما أسميه بزمن "أسود و أبيض" فكنا نحكم على كل شيء بناء على القانون الذي وضعه بعض الدعاة ومن اتبعهم من البسطاء إما خير مطلق وإما شر مطلق، فمن يصدق اليوم بأن يوما من الأيام كانت جوالات الكاميرا تدخل إلى بلادنا بالتهريب وكأنها نوع من أنواع المخدرات! يجب أن نقف عند هذا الحدث ونتأمل به جيدا، أطلق الدعاة في ذلك الحين استنفارا عظيما وكأن هذه الكاميرا هي نهاية الدنيا وأن السماح بها كأنه إعلان بتحولنا من قمة العفة والطهر إلى اعماق الرذيلة والفجور! بعد ذلك تم السماح بها رغما عن من عارضها ولو كان الأمر بأيديهم لما كان مسموحا بها حتى الآن مثلها مثل كثير من الأدوات والتقنيات التي نستخدمها في حياتنا اليومية بشكل طبيعي! عزيزي القارئ الحر يجب عليك أن تعلم بأن الرجال الذين كانوا قد حرموا الكاميرا أصبحوا يصورون أبناءهم بها، وأن الذين حرموا التلفزيون أصبحنا نراهم أكثر من كثير من المطربين، وفي المستقبل سيأتي من يقول بأن الذين حرموا قيادة المرأة أصبحوا يسمحون لبناتهم بالقيادة بدلا من السائق الأجنبي. المسألة ليست مسألة جوال به كاميرا أو لا بل إنها أكبر من ذلك بكثير، فهي مسألة سيطرت على الفكر لدرجة تغييبه عن الوعي، فلو فكر أحد البسطاء قليلا لوجد أن ما يقوله ذلك الرجل المتحجر ليس معقولا ولا منطقيا بل إنه كلام رجعي منافٍ للمنطق السليم تماما. في النهاية أريد منك أن تتخيل معي كيف كان سيكون حالنا لو أن هذه الفئة استمرت بالسيطرة على المجتمع كما في السابق، تخيل نفسك الآن من دون الانترنت أو التلفزيون، تخيل نفسك عندما تتفق مع رجل ما بعد منتصف الليل لكي تشتري منه جهاز الآيفون وكأنها صفقة مخدرات.!