بدأت كثير من الفتيات التخلي عن كرسي "كوشة ليلة العمر"، وتفضيل الجلوس بين المعازيم.. ترقص معهم، وتبادلهم ضحكات الفرح، وتغني لحضورهم بأجمل كلمات الترحيب. وتبدو هذه التجربة التي بدأت تأخذ طريقها نحو التعميم بين عرايس هذا الجيل قد أثارت كثير من المعازيم ممن تعود على رؤية عروسٍ لا تبرح مكانها ولا تبتسم إلاّ مع عدسات التصوير. "فتيات اليوم" أصبحن أكثر إصراراً وجرأ] على إظهار التعبير بالفرح والتعاطي مع المناسبة بصورة مختلفة، حتى وإن طالتهن الانتقادات، إذ لا يجدن ما يبرر وجود مشاعر الخوف والتوتر أو حتى مشاعر الخجل؛ بإبقاء العروس عينيها في الأرض طيلة الوقت دون أن تعبر عن فرحتها وسعادتها من خلال مشاركة قريباتها وصديقاتها الفرح، وتحديداً تبادل الحديث، أو الرقص معهن، أو حتى مع العريس في حال دخوله إلى صالة النساء!. انتقادات قاسية في البداية قالت "تهاني سالم": إن فرحة ليلة العمر فرحة لا تتكرر ولا يضاهيها أي فرحة أخرى، إلاّ أن مجرد تفاعل الفتاة مع مشاعرها وسعادتها يبقى محل انتقادات قاسية أو حتى سخرية لاذعة، مبينةً أن للعروس الحق في التعبير عن فرحتها بطريقة راقية لا مبالغ فيها، إذ ليس هناك أجمل من حضورها وهي هادئة تزينها ابتسامة خجولة، مشيرةً إلى أنها ضد أن تكون العروس كثيرة الحركة والضحكات مع من حولها أو تبالغ في الرقص مع صديقاتها أو عريسها بصورة أكثر حميمة ورومانسية لا تراعي خصوصية علاقتهما ولا مشاعر الحاضرات، ذاكرةً أنه في ليله زفافها استمعت كثيراً لتلك النصائح التي زادتها توتراً وحيرة في أمرها، بين رغبتها أن تكون على طبيعتها وتتصرف بعفوية، وبين أن تتصنع الجمود والحزن لمغادرتها بيت أسرتها، أو الفرح حتى لا توصف بعدم الحياء وكأنها "ما صدقت خبر". كبت المشاعر وتساءلت "منال البلوي": هل يجب أن تُعبّر عن فرحتها أم تلتزم الصمت هروباً من الانتقادات؟، هل هناك سقف للفرح؟، هل تستجيب لطقوسهم وتحرم نفسها من التعبير عن فرحتها في تلك الليلة؟، أم تتخطى كل ما تعارفوا عليه في ذلك وتعيش لحظاتها كما تُريد وكما تشعر؟، مضيفةً أن عروس اليوم لا يمكن أن تتقبل مثل تلك النصائح التي ترى فيها كبتاً لمشاعرها الطبيعية أمام الآخرين، إذ أن من أبسط حقوقها كإنسانة هو التعبير عنها بطريقة عفوية، مبينةً أنه في ليلة زواجها الكل نصحها أن تتصنع الثقل، وأن تُخفي ملامح الفرحة من وجهها؛ لكي تسلم من تلك الانتقادات، إلاّ أنها لم تقتنع بكل ما سمعته، وقررت أن تتصرف بسجيتها وعفويتها دون تصنع أو تمثيل، لافتةً إلى أنه حينما استجابت لطلب صديقاتها في مشاركتهن الرقص لم تكن تتوقع ردة الفعل القاسية من والدتها التي رفضت الحديث معها أو توديعها عندما أصطحبها العريس إلى سيارته. وقالت: "لست نادمة على تفاعلي يوم فرحي وإظهاره بطريقة أجدها لائقة ومعقولة، حيث لم أشعر المعازيم أني مغصوبة على العريس"، مبينةً أن حاجز الخوف والتوتر الذي كان مسيطراً على مشاعر الفتيات سابقاً هو بسبب جهلهن بشخصية الزوج الذي ستزف إليه، أمّا اليوم فإن التعارف واللقاءات أثناء فترة "الملكة" كسرت هذا الحاجز، لتصبح الفتاة قادرة على عيش تلك اللحظات الاستثنائية بكل فرح وسرور، ناصحةً كل فتاة مقبلة على الزواج أن تعيش فرحتها كما تشاء، ودون تدخلات الآخرين، إذ ليس لأحد الحق في وضع قوانين بائسة تحرمها فرحة العمر. فرحة العروس تجاوزت توزيع الابتسامات إلى الرقص مع المعازيم محل انتقاد ورأت "منى عبدالله" أن ثوب الخجل والهدوء يبقى هو الجمال والحضور الحقيقي للعروس مهما كانت فرحتها بهذا الارتباط وتلك الليلة، مضيفةً أن بعض العرائس تبالغ كثيراً في إظهار فرحتها من خلال تحركهن الزائد على الكوشة، أو رقصهن مع العريس وقريباتهن، مما يفقدها جمال طلتها وأناقة حضورها، مبينةً أنه من الطبيعي أن تكون محل انتقاد وتعليقات لا أول و لا آخر لها، كونها خالفت صورة ألفها مجتمعها، لافتةً إلى أن هذا لا يعني أن تتمنع من إظهار فرحتها، إذ يمكنها أن تبتسم وترقص ولكن بهدوء وخجل، دون جرأة كبيرة تنسيها احترام السياق التربوي والاجتماعي للبيئة التي تعيش فيها. أثر كبير وأعترفت "نجود سالم" -متزوجة حديثاً- بتغيير قناعتها في إظهار فرحة العروس، قائلةً: كنت من أكثر المنتقدات لبعض تصرفات العرائس التي تظهر فرحتها بتلك الليلة، إلاّ أنني وجدت لها أثراً كبيراً في نفسي عندما عشتها، فلحظة الانتشاء والفرح وأنا محاطة من الجميع تجبرني على التفاعل معهم، مبينةً أن تلك اللحظات الثمينة تستحق أن لا نهتم بأي كلمة تقال طالما اختارت الفتاة أن تعيشها بطريقتها وأسلوبها، فنحن مجتمع نميل إلى التضييق على أنفسنا حتى في تلك المناسبات، ذاكرةً أنه يفترض من الحضور أن يشارك العروس فرحتها لا أن ينتقدها ويحاسبها، مشيرةً إلى أنها رقصت بإلحاح من والدتها وأخواتها اللاتي أكدن أنها ستندم لاحقاً لو مر يوم زفافها، موضحةً أنها لم تستمتع بأجواء ليلة العمر، فما كان يهمها هو إرضاء أناس لن يصمتوا عن النقد في كلا الحالتين، ومهما قالوا سينسى الجميع ما قالوه يوماً، مؤكدةً أن تلك اللحظات ستبقى من ذكرياتها الجميلة، وستؤثر بنفسها كثيراً، ناصحة أي عروس بأن لا تتنازل عن فرحة ليلة العمر إطلاقاً. ضبط العواطف وتحدثت "نادية التميمي" -استشارية علم النفس الإرشادي- قائلةً: إن مجتمعنا مازال -مع الأسف- يحمل الكثير من المخاوف والاعتقادات الخاطئة التي تجعله يمتنع عن معايشة الفرح، أو حتى التعبير عنه، حيث أننا نجد بعض أفراده يبالغون في كبت أو أخفاء مشاعر ومناسبات أفراحهم إمّا خوفاً من الانتقاد أوالإصابة بالعين والحسد، على الرغم أن مشاعر الفرح والسرور من الانفعالات والعواطف التي تنتقل عدواها إلى الآخرين، فحينما يتعايشون مع الفرح بتفاؤل وايجابية سيكونون أكثر سعادة، كما ستنتقل تلك المشاعر الايجابية لمن حولهم ليشاركوهم أجواء تلك الفرحة، مضيفةً أن بعض الموروثات الاجتماعية فرضت نوعاً من الانتقادات الحادة التي تحرم العروس من إظهار فرحتها وسعادتها بتلك الليلة، ومع ذلك هي في محل انتقاد في كلا الحالتين، إن فرحت وأن لم تظهر فرحتها. ونصحت الفتاة أن تظهر بالصورة الحقيقة لشخصيتها التي عرفت بها، وأن تضبط عواطفها وتعبر عن فرحتها ورضائها بطريقة معتدلة، دون أن تلتفت وتدقق كثيراً بما تسمعه من انتقاد، طالما لم تظهر تلك الفرحة بطريقة مستهجنة ومبالغ فيها، مشيرةً إلى أن الفرح والبهجة في نهاية الأمر ليس عيباً ننتقد به الآخرين، ذاكرةً أنه مهما تعلمنا وتطورنا لابد أن نحترم ضوابطنا الاجتماعية، فتلك الأدبيات هي التي تميزنا عن غيرنا.