حزنت لمنظر ذلك النمر العربي، المعلق في شجرة بوادي نعمان حيث مات مسموماً هنالك.. ذلك أن أحد أصحاب الإبل افترست إحدى نياقه فوضع السم في بقية جثتها لينتقم ممن افترسها عندما يعود إليها ليلاً مرة أخرى.. وفقاً لما نشرته جريدة «الرياض». حزنت لمنظر النمر النادر، الجميل، لأن النمر العربي أولاً هو البقية الباقية من الحيوانات النبيلة التي انقرضت من بلادنا كالأسد والفهد.. مع تلك الكائنات الجميلة الرائعة التي كادت أن تنقرض كالمها، والنعام وغزال الريم.. وعلى كل حال فلقد ظللت واجماً حزيناً وأنا أرى ذلك النمر معلقاً بشجرة سرح أو أراك بوادي نعمان، فتذكرت قول عنترة في ذلك الفارس الذي صرعه وجندله: بطل كأن ثيابه في سرحة يحذى نعال السبت ليس بتوأم والحزن قد لا يكون مرتبطاً بفقدان الأشياء العزيزة فقط.. بل إنك ربما تحزن أحياناً لموت الفارس، حتى ولو كان خصمك، تحزن لفارس ملأ المكان شجاعة وبطولة.. ثم خر صريعاً هكذا!! ثم إن هناك شيئاً آخر ضاعف من حزني.. ذلك أن الحادث وقع في وادي نعمان.. وهذا الوادي له حكايات عذبة وجميلة مع العشق والعشاق فطالما تغنى الشعراء به وبأيامه ولياليه.. ولعل من أجمل تلك الحكايات وأعذبها حكاية شاعر ارتبط اسمه باسم النمر ذلكم هو الشاعر «النميري» الذي هام حباً في محبوبته زينب والتي أذاقته صنوف العذاب بل ربما سقته كؤوس السم.. ليس سم صاحب الناقة وإنما بسم فتنتها وجمالها وسحر عينيها وبرائحة المسك التي كانت تفوح من هذا الوادي وتملأ فجاجه حينما تسير فيه!! يقول النميري واسمه محمد بن عبدالله بن نمير وليس الشاعر «أبو حية النميري كما توهم الكثيرون» يقول: تضوع مسكاً بطن «نعمان» ان مشت به زينب في نسوة خفرات ولما رأت ركب النميري أعرضت وكن من أن يرينه حذرات يخبئن أطراف البنان من التقى ويلبين آخر الليل معتمرات ويقال إن زينب هذه هي أخت الحجاج بن يوسف وان الحجاج هدده وأقسم أن يقتله إن لم يكف عن التغزل بها فلم يكف بل ظل في غزله وهرب إلى اليمن وقال قصيدته في الحجاج والتي منها: وفي الأرض ذات العرض عنك ابن يوسف إذا شئت منأى لا أبا لك واسع ولكن الحجاج جد وألح في طلبه فلجأ إلى عبدالملك بن مروان فأمنه ومنع الحجاج من قتله.. ويروى أن عائشة بنت طلحة وهي إحدى جميلات وفاتنات قريش وشهيراتهن كانت بقصر لها بالطائف وقد مر بها راكب وهي مشرفة في مجلس لها فسألت عنه فقيل هذا الشاعر النميري فقالت اؤتوني به فلما جلس عندها قالت: أسمعني ما قلته في زينب فأبى.. وقال تلك ابنة عمي وقد مضى ما مضى.. فأقسمت عليه إلا أن ينشدها فأنشدها: تضوع مسكاً بطن نعمان.. فاهتزت طرباً وقالت: والله ما أراك قلت إلا جميلاً وما وصفت إلا طيباً وكرماً وديناً وأعطته ألف دينار! ** وكما أشرت فلوادي نعمان هذا ذكر حسن ورونق جميل في خواطر الشعراء وكأنه مرتبط بالحب والحسن والجمال يقول مجنون ليلى: أسائلكم هل سال نعمان بعدنا وحب إلينا بطن نعمان واديا ووادي نعمان هذا مشهور بكثرة الشجر وبالذات شجر الأراك. يقول الفرزدق في محبوبته التي حجت وأفاضت مع من أفاض إلى عرفات وقد أهدي لها سواك من قضبان الأراك.. دعوا بقضبان الأراك التي جنى لها الركب من نعمان أيام عرّفوا وقال الشاعر أبو العميثل الأعرابي: أما والراقصات إلى منى ومن صلى بنعمان الأراك والوادي ينحدر من أعالي جبال الطائف إلى البحر ماراً بعرفات حيث يقف جبل كبكب هناك شامخاً وهو الجبل الشهير الذي ذكره امرؤ القيس بقوله: فريقان منهم جازع بطن نخلة وآخر منهم قاطع نجد كبكب ونعمان من أودية هذيل الشهيرة وقد سرت في أعلاه مع الصديق الأديب الدكتور عبدالله المعطاني فشاهدت فيه من المناظر والآثار الرائعة ما يبهج القلب.. ورأيت وجوهاً نبيلة كريمة من سكانه تذكرك بالعرب النبلاء الفصحاء الأقحاح ذوي المهابة والسمت والرجولة. وجوهاً والله إنك حين تراها فكأنك تعيش ذلك الزمن الدارس البعيد زمن أبي خراشة وأبي صخر وأبي ذؤيب الهذليين.. سقى الله وادي نعمان وكثيراً من أوديتنا المنسية المغمورة بالشعر والإبداع وحكايات العشق الرائع النبيل والتي غفل عنها الأدباء والنقاد وغرقوا فيما أفسد ذائقة الناس وأبعدهم عن مصادر الإبداع العذب ومناهله الصافية وغفر للشاعر النميري ومحبوبته زينب التي كانت تملأ هذا الوادي مسكاً إذا وطأته!! ووا أسفاه على ذلك النمر العربي النبيل الذي مات مسمواً وعلق ربما على شجرة الأراك التي كانت تستاك منها هند محبوبة عمر بن أبي ربيعة والتي قال فيها تخيرت من نعمان عود أراكة لهند ولكن من يبلغه هندا؟