هل بالفعل قياس الأداء وممارسته في القطاع الحكومي لم يعد ترفاً، وإنما أصبح ضرورة ملحة للرفع من مستوى الخدمات المقدمة، وتحسين جودتها للمستفيدين من هذا القطاع، على الأقل من زاوية أن كفاءة أداء الأجهزة الحكومية تعد أحد الشروط الضرورية لكفاءة الاقتصاد وجودته بصفة عامة، أم أن قياس الأداء الحكومي يمثل جزءاً من عملية أشمل وأوسع لتطوير الأداء المؤسسي وتعلق ذلك بمدخلات المؤسسة الحكومية ومخرجاتها، ومن ثم أهمية توفر عدد من المؤشرات الواضحة والقابلة لقياس وتقويم تلك المدخلات والمخرجات، لتعكس نتائجها مدى الكفاءة في استخدام الموارد المتاحة، وتحقيقها للأهداف التي ترمي لها المؤسسة الحكومية، بما في ذلك تحسين جودة الخدمة ومدى ملاءمة ما تلبيه من احتياجات للمستفيدين من المواطنين، ومدى إسهامها في تحسين نوعية حياتهم. إن هذا وذاك وغيره من الأسباب الجوهرية الأخرى هي ما قادت لإدراك أهمية قياس الأداء الحكومي وتقويم كفاءته، ومعرفة مواطن الضعف وبدائل التطوير، من أجل ذلك صدر كما نعلم قرار مجلس الوزراء منذ نحو ست سنوات القاضي بإنشاء مركز لقياس أداء الأجهزة الحكومية بمعهد الإدارة العامة، يرتبط في المرحلة الأولى بمدير عام المعهد، ويخضع المركز للتقويم، ومن ثم يستقل بذاته عن معهد الإدارة العامة في مرحلته الثانية ليرتبط برئيس مجلس الوزراء مباشرة، ليتولى هذا المركز قياس أداء الأجهزة الحكومية واستخراج مؤشرات أداء سنوية تعكس مدى إنتاجها وأدائها. إنشاء مركز قياس أداء الأجهزة الحكومية جاء من أجل تحسين الأداء في الجهاز الحكومي بمختلف قطاعاته، باستخدام بدائل علمية وعملية لقياس الأداء، وفق معايير تساعد متخذ القرار في متابعة الإنجازات وكل ما يتعلق بأنشطة الأجهزة الحكومية، وبناء على ما حدد له من أدوار تتمثل المهام الرئيسة للمركز في قياس معدلات الإنتاج للأجهزة الحكومية، والتغير في هذا الإنتاج بين مدتين زمنيتين، وقياس الكفاءة الإنتاجية عبر معرفة مدى الاستخدام الأمثل لمواردها، وقياس الفاعلية من خلال الكشف عن جودة الخدمة التي تقدمها، وكذلك إيضاح التباين بين أداء فروع الجهاز الحكومي الواحد من حيث الإنتاج والفاعلية، وإجراء المقارنة المعيارية بين أداء الجهاز الحكومي وأجهزة مماثلة له في النشاط بدول أخرى، وبناء قاعدة بيانات تسمح بتدفق مدخلات الأجهزة الحكومية ومخرجاتها إلى هذا المركز، ليتمكن من إعداد تقارير عن أداء الأجهزة الحكومية المستفيدة من خدمته، ورفع التوصيات للأجهزة الحكومية المستفيدة من قياس الأداء بما يعزز جوانب القوة ومعالجة جوانب القصور في أدائها. واقع قياس الأداء في الأجهزة الحكومية وفق ورقة عمل قدمت لندوة قياس الأداء في الأجهزة الحكومية يفيد بأن نسبة عالية 77% من ما مجموعه 175 جهازاً حكومياً تصدر لها ميزانية مستقلة ضمن قوائم وزارة المالية لا توجد بها وحدة إدارية متخصصة لقياس الأداء، كما أن نسبة الأجهزة الحكومية التي لا يوجد لديها كوادر متخصصة لتطبيق نظام القياس تصل إلى نحو 23%. إن ما نتمناه هو ألا تكون من بين تلك الأجهزة الحكومية من هي معنية بمعالجة ثالوث قضايا التنمية الأبرز في مجتمعنا وهي معدل الفقر والبطالة وغلاء الأسعار، بل نود أن تعطى تلك المؤسسات الحكومية ذات العلاقة المباشرة بوضع الحلول لتلك القضايا الأولوية في اهتمام المركز بمساعدتها والإلحاح في قيامها بقياس أداء أجهزتها التنفيذية.