في الثالث من مارس آذار (الاثنين المقبل)، تبدأ في الكويت نشاطات الملتقى الثالث عشر لمجلة (العربي) التي سيكون محورها الرئيس (طريق الحرير) ، عن دوره الآقتصادي والثقافي والحضري، ثم عن الانعكاس المقابل الاقتصادي والثقافي والحضري في المنطقة. ستكون ضمن نشاطات الملتقى ندوات ومحاضرات وأمسيات ترفد المحور الرئيس يشارك في إحيائها أسماء معروفة من المهتمين في الخليج والوطن العربي. ستكون مجلتنا العريقة (العربي) حاضرة في السياق بتاريخها المبهج كله وبما قامت به من أدوارها الثقافية التنويرية الرائدة منذ أوائل ستينات القرن الماضي حتى الآن. ولا أتصور أن أحداً من المثقفين من منطقة الخليج، ومن الوطن العربي بخاصة ومن القراء والجمهور بعامة لا يعي ولا يدرك ولايستحضر تلك الإضاءات المعرفية والأدبية التي كانت تنبثق من مشكاة هذه المجلة، وبخاصة في فترة الستينات ومنتصف السبعينات. ولعل أول اسم محترم كبير يحضر بقوة ومحبة وبسمات التفوق والريادة هو اسم رئيس تحريرها الفذ الأستاذ الدكتور (أحمد زكي) الذي كان يكتب (حديث الشهر) في المجلة فيعجب ويطرب، إذ يصوغ فكرته ومضامينه السياسية والاجتماعية والأدبية في أسلوب يعز على التصنيف، حيث يتحد الذاتي والموضوعي والعلمي والفني والمعرفي والنقدي والتنظير الذي يكاد أن يكون تطبيقاً في طريقة تناول لذيذة مدهشة عجيبة تمنح المتلقي يقيناً مبهجاً بوجود العبقرية الخلاقة، ومن هنا كان حديث الشهر يتحول إلى وثيقة ثقافية أدبية يطول تداولها بين العقول والأفهام. والمذهل في حضور مجلة (العربي) أنها برغم مستواها النخبوي ذي القيمة الاستثنائية، وبرغم التناول والطرح العاليين جداً من قبل نخبة من مفكري الوطن العربي وجهابذة الكلمة وأدباء التفوق في الأسلوب والأداء، برغم ذلك كله، كانت مجلة جميع القراء ومحبوبة كل المتابعين ومعشوقة المتلقين كافتهم. وكان أكثر الأدلة مصداقية على ذلك، وأبرز المؤشرات إليه هو ذلك (الانتظار) الشهري لصدورها ووصولها، وتلك اللهفة إلى تصفحها والاطلاع على مضامينها. وتبعاً لذلك، يكاد أن يكون من المستحيل أن يقدر لأي مهتم أن يطلع على مكتبة لواحد من جيل تلك الفترة فلا يجد حيزاً متفرداً خاصاً يضم أعداداً مدهشة من هذه المجلة. إذاً.. وبشكل تلقائي، ينتصب السؤال: (لماذا حظيت مجلة العربي بهذه المحبة الشاملة وبهذا العشق الجارف وبهذه الحميمية الاستثنائية ؟) في اعتقادي، وفي يقيني، أن هناك سببين كبيرين خلف هذا الإنجاز: الأول: أنها مجلة عريقة تحترم عقل المتلقي ووجدانه وتكوينه وتلبي لهفته المعرفية والثقافية والأدبية. والآخر: أنها ابتعدت ونأت عن الوقوع في مستنقعات الإسفاف والتفاهة والتسطيح الذاتي والموضوعي. وفي الوقت ذاته، لم تتأخر المجلة في طرح كثير من الإشكاليات بأسلوب جذاب وتناول علمي ثقافي يمنح المتلقي وهجاً من الوضوح والإضافة في المعرفة وامتلاك المعلومة. نلوح بالتحية الصادقة، ونشد على الأيدي بالمشاركة، ونرفع خالص الأمنيات بالمزيد من التألق والجمال لمجلتنا الرائدة وللعاملين الذين يضيئون قناديل الفرح الثقافي، ويقيمون احتفاليات البهجة المعرفية والأدبية.