أخيراً وبعد مرور أكثر من سبع سنوات على رحيله وبمبادرة وفاء فردية من أحد الباحثين الشباب صدر قبل أيام قليلة كتاب "سعد الجنيدل.. عالية نجد ونجدُ العالية" للباحث مسعود بن فهد المسردي الذي نشرته دار جداول البيروتية. فعلى الرغم من المكانة العلمية للشيخ سعد الجنيدل رحمه الله (ت 1427ه) إلا أنه لم يحظ بالتقدير الذي يستحقه بل إن كل ما أعلن في الإعلام عن تكريمه بعد وفاته ذهب أدراج الرياح لدرجة أن بعض كتبه المخطوطة التي سلمها أثناء حياته لبعض المراكز الثقافية بهدف نشرها لا زالت حبيسة وكنت قد سألت العاملين في أحد هذه المراكز منذ أيام عن أحد أعماله الموجودة لديهم فقالوا إنه في التحكيم فضحكت وقلت: وهل يعقل أن يظل في التحكيم منذ سبع سنوات!! والحقيقة أن الحيرة تأخذنا إلى مساحات نتساءل فيها عن المعايير التي تعتمد عليها المؤسسات العلمية والثقافية في الاهتمام بشخصيات معيّنة أو في تكريم شخصيات وتجاهل شخصيات أخرى لا تقل عنها خدمة للعلم والتاريخ والوطن، فيبدو أن المسألة ترتبط بالعلاقات الاجتماعية أكثر من ارتباطها بالقيمة العلمية أو الثقافية لهذه الشخصية أو تلك!! بذل المسردي في كتابه جهداً مشكوراً في جمع المعلومات بل تجشم الصعوبات في سبيل ذلك تقديراً وإجلالاً لما قام به الجنيدل من دور ثقافي مستطيل شمل التاريخ والجغرافيا والأدب والتربية والموروث الشعبي، حيث لم يكتف بمراجعة مؤلفات الجنيدل وتقليب صفحاتها بعناية ظاهرة بل نقّب بكل عناء في الأرشيف الصحفي عن كل ما كتبه أو كتب عنه، فنفض الغبار عن جوانب غير معروفة من حياته وعلاقاته، كما استعان بشكل رئيس بعشرات من الساعات التسجيلية لأحاديث سعد الجنيدل ومروياته المحفوظة غالباً في مركز التاريخ الشفوي بدارة الملك عبدالعزيز والتي قضى المؤلف ساعات طويلة في الاستماع إليها وتفريغها، فاستطاع أن يؤرخ لحياة الجنيدل منذ مولده ونشأته في بلدة الشعراء في عالية نجد، وإلى مواراته الثرى في مكةالمكرمة، مروراً بانتقاله إلى الدوادمي ثم الرياض، ووقوفاً على نتاجه العلمي ومسيرته الأدبية وما صاحبها من تطورات ومراحل، وإبرازاً لدوره في التعليم والثقافة، وقد حقق الجنيدل ريادة في مجال البلدانيات وتحقيق المواضع الجغرافية فكان أحد أعمدة المعجم الجغرافي للبلاد السعودية ثم أضاف إليها بعد ذلك معجم الأماكن الوارد ذكرها في القرآن ومعجم الأماكن الوارد ذكرها في صحيح البخاري ومعجم الأماكن الواردة في المعلقات العشر وتميّز بالدقة في كثير من معلوماته خاصة فيما يقف عليه ميدانياً كما أنه تمكن في كتبه من مزج الجغرافيا بالتاريخ في قالب أدبي جميل، وريادة الجنيدل في جمع المأثور الشفوي والموروث الشعبي بارزة للعيان في معجم التراث ذي الأجزاء الثمانية وفي كتبه المتعددة عن الأدب الشعبي. ويأتي هذا الكتاب الذي يتسم بالتماهي الرائع بين السيرة الغيرية والسيرة الذاتية ليُسلط الضوء على أحد المنارات الثقافية في بلادنا ليكون مرجعاً شاملاً عن حياة الجنيدل وجهوده العلمية ولعله يكون سبباً في التفات المؤسسات الثقافية إلى تكريم الجنيدل بما يستحقه أو على الأقل نشر كتبه المخطوطة الحبيسة في أدراجها.