صاحبي يلبس البرقع ماهي عادة له مير أخذ سلم جيرانه وصارت طبيعة مثل من قال لا جيت الوطن خُذ دلّه اتبع الناس وإن ما طاعك الوقت طيعه كنت قد أشرت فيما كتبت عن الشاي أنه إلى وقت قريب كان رمزاً للحضارة دون البداوة وأوردنا الشواهد على ذلك وسننتقل الآن إلى نموذج آخر ظل رمزاً للبداوة ولنساء البادية خصوصاً منذ كان ألا وهو (البرقع) وأبيات سليمان الهويدي تشير إلى أن محبوبته لبست البرقع تأثراً بالجيران وإن لم تكن بدوية ولذا فهو يوصي بتفصيل برقع مخصوص يتناسب مع سعة عيونها ونعومة بشرتها حيث قال: هيه ياللي مكلّفكم على برقعٍ له وسعّوا قرضته ترى عيونه وسيعة فصّلوا له حريرٍ ناعمٍ ما يملّه حيث بشرة خدوده بالتأثر سريعة فالبرقع كما هو معروف غطاء تضعه نساء البادية على وجوههن بحيث لا يظهر من الوجه إلا العينان وهو من اللباس العربي القديم الذي مازال مستعملاً إلى اليوم حيث قال توبة بن الحمير في ليلى الأخيلية: وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها والحقيقة أن شكل البرقع يختلف من مكان إلى مكان في الجزيرة العربية مع غلبة القماش الأسود ذي الطبقتين على معظم الأشكال ولكن يختلف بحسب ما يظهر من الوجه غير العيون التي فتنت شاعر ما كان يتوقع أن تفتنه: ما هقيت أن البراقع يفتنني لين شفت ظبا النفود مبرقعاتِ الله أكبر يا عيونٍ ناظرني فاتنات ناعسات ساحراتِ وتعتبر قصيدة الأمير خالد الفيصل من القصائد التي أثارت قبل عقود من السنين ردود فعل واسعة في ساحة المجتمع السعودية معارضة ومجاراة وخاصة بعد أن غناها الفنان محمد عبده حيث ارتفعت الأصوات بين مدافع ومهاجم وقد عرض الأستاذ راشد بن جعيثن شيئاً من هذه الردود في كتابه (الشجن: مجاريات أشعار خالد الفيصل) ومن ذلك قول الأمير سعود بن محمد مؤيداً: والرخم والبوم ما قد برقعني والحرار الغاليات مبرقعاتِ ابعدوا لباسة الطرحات عني كنهن عقب الرجيم مسللاتِ في حين قال الشاعر راشد بن كليب: الحضر والبدو من فكري وظني بالسوية عندنا ومكرّماتِ الحضر مثل المهار ويفرقني بالبشوت وبالشيال مقنّعاتِ والبدو مثل الحرار يبرقعني والنقا يشمل جميع الصايباتِ نعم لقد أفرزت تلك القصيدة حواراً مجتمعياً قديماً لم يكن تركيزه على المقارنة بين (الطرحة) و(البرقع) بصفة خاصة ولكن انتقل إلى المقارنة والتفضيل بين البدويات والحضريات بينما ساوى ابن كليب بين بنات الوطن الواحد مؤكداً على أجمل ما فيهن وهي صفة العفاف والاحتشام لأنه هو اللباس الحقيقي كما قال غازي بن عون: ومكمّل زينه بعقلِ تكيني ويلبس من العفة عن العار جلباب وأخيراً فإن برقع الأمس غير برقع اليوم فقد اتسع مفهوم البرقع ولم يعد برقعاً من القماش الأسود فقط وقد انتقل إلى مفهوم معنوي يحجب وجوه وعيون كثير من الناس في مواقع التواصل الاجتماعي لغايات مختلفة الألوان.