خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان لعبادته أولاً، وعمارة الكون ثانياً، لذا فقد تعاقبت الحضارات والدول على التنافس في عمارة الأرض، فمدائن صالح في السعودية، والأهرامات في مصر، من أبرز الإنجازات البشرية في عمارة الأرض، وجميعنا يعرف جيداً مثل "جزاء سنمار" أو المهندس سنمار! ولسنا بعيدين عن مهندسنا القدير سنمار، مما يبذله أصحاب هذه المهنة ابتداء من التحصيل العلمي المُبالغ فيه (محلياً) إلى عدم وجود برامج تدريبية عند التحاقهم بجهات العمل وتحمل مسئوليات معنوية ومادية ضخمة، إلى الصعوبات الاجتماعية التي يواجهها المهندس المتمثلة بقضاء ساعات طويلة في مجال العمل سواء أكان ذلك حضورياً أو الاستعداد والتهيؤ على مدار الساعة كما في إدارات التشغيل والصيانة. وفي المقابل، تصريحات ومقالات ومؤتمرات صحفية، ومن ثم تحليلات وتعليقات وردود، بين المنتسبين للمجال الطبي، فالبعض يريد تطبيق كادر موحد لجميع القطاعات الطبية، والآخر يريد تطوير المجال الطبي بقطاع معين، ولكنهم جميعاً يتفقون على حاجة الكادر الطبي لرفع الأجور (إضافة إلى الأجور الحالية التي تزيد عن ما يقارب 60% من أجور المهندسين) وأصحاب المهن الأخرى وخصوصاً المنتمين للمجال الهندسي (الأكثر تضرراً) يتابعون بحسرة هذه السجالات، فلم يتحقق لهؤلاء (حتى الآن) حلم تطبيق الكادر، فكيف المطالبة برفع الأجور، نعم من حق الأطباء المطالبة، ولكن أيضاً من حق أصحاب المهن الأخرى الحصول على جزء يسير مما حصل عليه الأطباء. فمنذ عدة سنوات بدأت المطالبات المتعددة بضرورة اعتماد كادر طبي، وبالفعل تحقق ذلك بعد إصرار ومتابعة من قيادات المجال الطبي (التي تستحق الشكر والإعجاب لا من المنتسبين لمهنة الطب فقط، وإنما من كل من له مهنة ويحلم بكادر) إلا أن ذلك لم يكن كل شيء للمجال الطبي (الذهبي)، بل استمرت المطالبات بالسماح لأطباء القطاع الحكومي بالعمل في القطاع الخاص في غير ساعات العمل الرسمية، وتحقق ذلك أيضاً من خلال مراكز الأعمال بالمستشفيات الحكومية. واستمرت المطالبات حتى تاريخ هذا اليوم، فالمطلوب الآن زيادة الرواتب بنسبة 30%، فهنيئاً للمجال الطبي بهذه القيادات التي سعت إلى تطوير هذه المهنة، ولم تغلب المصالح الشخصية على المهنية. أليس المهندس هو من يصمم وينفذ ويشرف ويصون جميع المكتسبات المدنية الهامة؟ من منازل وبنايات شاهقة الارتفاع (ناطحات السحاب) ومستشفيات ومطارات وطرق وجسور وأنفاق وسدود وكهرباء واتصالات وطائرات وبواخر وغواصات وسيارات وقائمة طويلة جدا لا يتسع المجال لحصرها، هل نستطيع أن نستغني عن بعض تلك المكتسبات؟ أو أن نقبل بتدني مستوى أدائها؟ إن المطالبة بكادر مهني هندسي ليس الهدف منه زيادة الرواتب فقط -وإن كان ذلك حقا مشروعا- بل إنه سوف يسهم في تنمية وتطوير الوطن، والمهن على حد سواء، فالتسابق المحموم والمستمر نحو تحسين القدرات الذاتية، والمشاركة الفعالة في الأنشطة المهنية الداخلية والخارجية كالمؤتمرات والندوات واللقاءات، ويعتبر السلم الوظيفي الحكومي الحالي أحد العوائق الرئيسية في توفير بيئة تنافسية للموظفين بجميع المجالات المهنية، سواء الفنية منها أو الإدارية، فالجميع سائرون نحو الترقية الوظيفية، الطموح والكسول، المنتظم والمفرط، المبتكر والمقلد، فقط ما نحتاجه علاقة جيدة مع من سوف يقيمنا كل عام، فجميع بنود التقييم السنوي للموظفين وصفية بحتة، لا يمكن أن تعكس مقارنة حقيقية بين موظف وآخر في نفس الإدارة، وإدارة وأخرى، وقطاع وآخر، فالبنود على سبيل المثال تشمل التفهم لأهداف الجهاز، المهارة في التخطيط، الحرص على أمور السلامة والوقاية! العلاقة مع الرؤساء! بينما هناك عوامل معبرة ومحددة يمكن تطبيقها في التقييم السنوي تعطي كل ذي حق حقه، منها، الانضباط، وحضور الأنشطة المهنية (الدورات التدريبية، المؤتمرات، اللقاءات، الندوات)، والموقع الوظيفي، وعدد المشاريع المكلف بالإشراف عليها، دعم المجال المهني. وتبرز أهمية الكادر عندما نعلم أن عددا كبيرا من القيادات الحكومية سعت للخروج من القطاع الحكومي من خلال إما الإعارة أو التقاعد المبكر أو حتى الاستقالة، فالفجوة كبيرة جداً بين القطاع الخاص والحكومي من حيث المميزات والإمكانيات، فالمسؤوليات الجسام ترهق كاهل المهندس الحكومي، فسلامة الجسور والأنفاق والمباني، والإشراف على مشاريع بعشرات ومئات الملايين، ومقابلة الجمهور، والاستعداد لمباشرة العمل في غير ساعات العمل، مقابل أجر شهري يبدأ من 5070 ريالا. كما أن الحاجة الملحة لأعداد كبيرة من المهندسين في القطاع الحكومي (كما هو الوضع الحالي) تتطلب تحسين مستوى ومميزات الوظيفة الحكومية، توافقاً مع القاعدة المعروفة "يتزايد الطلب عند قلة المعروض". وختاماً، إن المطالبة بالتطوير المستمر تمثل أحد أهم المقومات الأساسية للمواطنة الصادقة، وان التنافس بين المجالات والتخصصات المختلفة سوف يصب في مصلحة الوطن والمواطن، فالتطوير والتغيير في الأساليب الإدارية والتنظيمية مطلب يجب أن لا ينتهي بتحقيق أهداف محددة، وأن لا يكون دلالة على القصور أو الضعف، فالمجتمعات الغربية استطاعت أن تتقدم بقبولها بالتغيير والتطوير والمراجعة والنقد الذاتي.