الحرب في يومها ال460: مستشفى ناصر يحذر من موت المرضى اختناقًا    الحرائق تخرج عن السيطرة في لوس أنجلوس    الشؤون الإسلامية تقيم ندوة علمية ضمن البرنامج الدعوي جهود المملكة في ترسيخ العقيدة المتزامن مع شتاء جازان ٢٠٢٥م    «الجوازات»: إمكانية تجديد هوية مقيم وتمديد تأشيرة الخروج والعودة للمقيمين خارج السعودية    الملك وولي العهد يعزيان الرئيس الصيني في ضحايا الزلزال    «الإحصاء»: الإنتاج المحلي من الخضراوات يوفر % 80.6 من الاحتياجات    السعودية تحافظ على صدارتها في حجم الاستثمار الجريء    النيابة العامة وهيئة التراث توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز حماية التراث الوطني    نائب أمير تبوك يطلع على تقرير عن مؤشرات الأداء للخدمات الصحية بالمنطقة    العراق: حل شامل في سورية لمنع التدخلات الخارجية    أمير الرياض يستقبل سفير جمهورية مصر العربية لدى المملكة    تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في المنطقة الشرقية    المنتدي الاقتصادي العالمي: 78 مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام 2030    نائب أمير منطقة حائل يتفقّد أعمال مشروع استكمال طريق "حائل - رفحاء" الجديد    مهرجان "حرفة حائل" يجذب السياح    إطلاق عيادات التمكين لتعزيز الخدمات المقدمة لمستفيدي الضمان    حرس الحدود بجازان يقنذ مواطن تعرض لأزمة صحية في عرض البحر    زلزال بقوة 3ر5 درجات يضرب إثيوبيا    انخفاض اسعار الذهب    الذكاء الاصطناعي ليس عبقرياً    حظر نقل أو نشر تسجيلات كاميرات المراقبة الأمنية    5 أسباب للإصابة بالعصب السابع    هل تعود أحداث الحجْر والهلع من جديد.. بسبب فايروس صيني ؟    اعرف صحتك من لون لسانك    «سلمان للإغاثة».. يواصل دعمه للاجئين السوريين في عرسال    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    8 ملاعب تحتضن مباريات كأس آسيا 2027    «البيئة»: منى تسجّل أعلى كمية أمطار ب 89 مليمتراً    الجنف.. عدو العمود الفقري    العدالة والمنافسة على الصعود    اعتزلت الملاعب    دعم القطاع الخاص للبحوث والدراسات العلمية    الشرع يفتخر بما فعلته السعودية لمستقبل سوريا    عشاق الزيتون    أمير نجران يكرّم قائد الأفواج الأمنية بالمنطقة سابقاً    واشنطن: موسكو تمول طرفي حرب السودان    مجلس الوزراء: الموافقة على نظام المواد البترولية والبتروكيماوية وتعديل نظام المرور    أمر ملكي بتعيين 81 "مُلازم تحقيق" بالنيابة العامة    نجاح.. شهرة.. ثقافة    عوائق العلاقات الطبيعية بين لبنان وسورية    سعود بن نايف يطلع على جهود «أصدقاء السعودية»    جازان تستضيف النسخة الأولى من معرض الكتاب 2025    جائزة الملك فيصل تعلن الفائزين للعام الحالي    أساس الألقاب في المجتمع السعودي    احسبها صح .. بعيداً عن الفوضى    محتوى الإعلام الدولي.. ومؤتمر سوق العمل !    الأفلام والدخل الوطني    الاتحاد يُقصي الهلال بركلات الترجيح ويتأهل لنصف نهائي كأس الملك    هيئة الأوقاف تعرّف بخدماتها في تبوك    في انطلاق كأس السوبر الإسباني بالجوهرة.. برشلونة في اختبار أتلتيك بيلباو    خيسوس مدرب الهلال : الفريق الأفضل لم يفز الليلة والنتيجة لم تعكس واقع المباراة    إقامة بطولة أساطير الخليج.. فبراير المقبل    فارياوا يحسم المرحلة الثالثة برالي داكار السعودية.. والراجحي يتراجع    «تخصصي المدينة المنورة» يحصل على «الآيزو» في إدارة المرافق    نائب أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    بلسان الجمل    العداوة الداعمة    حماية البذرة..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديوان السرد
نشر في الرياض يوم 25 - 01 - 2014

لعل القول بان الرواية هي "ديوان" العرب في العصر الحديث، هو قول ينطوي على كثير من الصحة، شرط أن يفهم من ذلك معنى "الديوان" الذي هو السجل الحافل بالأخبار والأحوال في حقبة من حقب التاريخ. وفي ضوء تغيير وظيفة القول الشعري، بعد أن كان سجلا طافحا بالأحوال كما كان عليه الأمر من قبل، فلا ضرر من تبادل الأدوار بين السرد والشعر في تمثيل أمور الناس، تمثيلا أدبيا رفيعا، ولا بأس من تداخل وظائف الأنواع الأدبية، فذلك هو الحراك والتنازع في وظائف الخطابات الأدبية.
لقد اتجه مسار الرواية إلى منطقة البحث الاجتماعي، وموضوع الاعتراف الشخصي، بعد أن شغلت كثيرا بالحبكات المتخيلة التي تؤلّف للتسلية، ومع هذا فليس من الصحيح أن نريد منها أن تكون "ديوان" العرب، بالمعنى المعجمي الدقيق لكلمة "ديوان"، فذلك لن يحدث مهما كانت القضايا التي تتبناها الرواية، وهو لم يكن كذلك، إلا على سبيل التجوز، في قول القدماء بأن الشعر "ديوان العرب"، وكلما لزم ذكر "الديوان" في سياق الحديث عن السرد والشعر، فإنما يقصد به الدلالة المجازية التشبيهية التي تريد التأكيد على أننا نعثر على شذرات من أحوال العرب في شعرهم وسردهم، على سبيل الايحاء وليس التقرير، فالرواية العربية المعاصرة إنما تقوم بتمثيل سردي لأحوال المجتمعات العربية، وهي بذلك تعرض بحثا سرديا في الصراعات السياسية، والمذهبية، والعرقية، كما تعرض بحثا مجازيا موسعا في الأحوال الفردية، بما في ذلك الهويات، والآمال، والحريات، فتكون بذلك شديدة الاتصال بمرجعياتها.
وبالاجمال فلا أجد عرضا مستفيضا لأحوال العرب، في أي وسيلة تمثيل أدبي، كما أجد ذلك في الرواية، التي انخرطت في معمعة التاريخ الاجتماعي والسياسي، وفي كشف المصائر الفاجعة للمنفيين، والمهاجرين، وضحايا الحروب الأهلية، بل وضحايا الاستبداد، سواء كان استبدادا اجتماعيا أم سياسيا أم عسكريا أم دينيا، وفيها نجد لائحة طويلة من الانتهاكات المريعة للذوات الفردية، وبخاصة: النساء، والأطفال، وأصحاب الرأي.
إن نظرة خاطفة إلى المدونة السردية في العراق، والجزائر، وسورية، ولبنان، ومصر، والمغرب، على سبيل المثال، تبرهن على أن الرواية العربية لم تمكث في منطقة الحياد، إنما ذهبت إلى المكان الذي ينبغي أن تكون فيه، وبذلك تزحزحت وظيفتها التقليدية المعروفة من كونها حكاية متخيلة لا تحتمل الصدق إلى خطاب رمزي باحث في الشأن العام دون أن نكون بحاجة إلى السؤال عن مدى صدق الاحداث فيه، فقد صارت قادرة على تعيين موضوعها، واقتراح نوع العقد بينها وبين المتلقي، إنها "ديوان" نتلمّس فيه ما يثير الهلع في النفوس عن البطانة المركبة للجماعات القبلية والمذهبية والاثنية، وهي "ديوان" فاضح للاحتقانات التاريخية في مجتمعات تتوهم بأنها طاهرة لا يأتيها الإثم على الاطلاق.
ولكن، أليس هذا تقريظا احتفائيا بالرواية لا يأخذ في الحسبان عثراتها السردية، التي لها أول وليس لها آخر، نعم، انه في وجه عام قد يبدو كذلك، لأن الرواية هي الظاهرة الأدبية الأكثر أهمية في الثقافة العربية الحديثة، فقد خاضت مغامرة جريئة في تمثيل مرجعياتها منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى الآن، فتطوّرت بنياتها السردية والأسلوبية، واقترحت لغة جديدة غير تلك اللغة المعيارية التي أصبحت موضوعا للبلاغة التقليدية في القرون الوسطى، وجاءت بجملة من التقنيات الجديدة في تركيب الأحداث والشخصيات. ولكن هذا "الديوان" بالرغم من كل ذلك، فيه أمراض متوطّنة لازمته، تحتاج إلى علاج جذري، منها: التكديس الانشائي المفرط في ثنايا السرد بما اعتبره ورما خبيثا ينبغي استئصاله، وإبعاده عن متون الرواية؛ لأنه يحول دون سلاسة الأحداث، ورشاقة الشخصيات، إنما يعيق حركتها، ويطمرها تحت وابل من الهوس اللفظي الذي لا ينفع إنما يضرّ بكل عناصر البناء الفني للرواية، ومنها العاطفية الساذجة التي تكتنف مشاعر الشخصيات، وذلك يذكّر بالحقبة الرعوية في تاريخ السرد، وينبغي تخطّيه، فالأحاسيس الجوانية يجب ألا تكون مجانية ترمى في سياق السرد بدون تدبّر وهدف، إنما من المهم أن تنبثق بغزارة من المواقف الناظمة للشخصيات. ومن العيوب التي تحتاج الرواية العربية إلى التخلص منها: الركّة الأسلوبية، ومحدودية المعجم اللغوي، وأحيانا الجهل بكيفية بناء الشخصيات، وعدم مراعاة الشروط العامة في بنائها، كالملامح الخارجية، والأفعال، والأفكار، ورؤية العالم، وسوى ذلك من العيوب التقنية والأسلوبية والتركيبية التي لا تتوافق مع معايير الصناعة السردية الحديثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.