الصوره الأولى: "أبوصالح".. رجل مرموق في المجتمع يشار اليه بالبنان وقد أتاه الله من كل شيء سببا وهو لايعاني من ضغط ولا سكر.. ولكن لديه شكوى تزعجه بين حين وآخر وهي الدوخة التي تضايقه كثيرا ويحصل معها احيانا خفقان فيشعر كأن جدران الغرفة تتحرك حوله .. فإذا ذهب الى اطباء القلب قالوا "مافيك شيء" واذا ذهب الى أطباء الاعصاب قالوا "مافيك شيء" فهو محتار جدا .. ويتساءل بكل عفوية: إذا كان "مافيني شيء" فلماذا أعاني من هذه الاعراض؟؟ الصوره الثانية: سيدة في الخمسين من عمرها لديها سكر و ضغط وتأخذ لكليهما علاجا وحالتها مستقرة ولكنها تشتكي من دوخة وتشعر كأنها ستسقط الى جهة اليسار وذهبت الى طبيب الاذن فأوضح ان فحصها سليم واحالها الى طبيب قلب الذي قال ان لديها عدم انتظام في نبضات القلب .. وبما أن لديها دوخة نصحها بوضع منظم لنبضات القلب!! ولكن المشكلة أن الدوخة استمرت بل زادت بعد وضع المنظم !! فماذا تفعل؟ الدوخة يختلف معناها من مريض لآخر حسب المسبب الأساسي وبسبب تكرر السؤال عن ما هي أسباب الدوخة ؟ وماهو ارتباط الدوخة بأمراض القلب؟؟....سنعرض فيما يلي بشيء من التفصيل عن ماهية هذه الاعراض ؟ وكيفية التعامل معها؟.. ويجب التنويه اننا في هذا السياق لا نتحدث عن الإغماء، وانما عن احد الأعراض التي يشتكيها المريض وهي الدوخة.. ماهي أسباب الدوخة ؟؟ من المهم معرفة ان الدوخة في الغالبية العظمى من الاذن الداخلية والدماغ حيث يشكل التهاب الاذن الداخلية و الدهليزي الحميد 50% من مجموع اسباب الدوخة، اما القلب فلا يشكل اكثر من 15% من اسباب الدوخة. انخفاض نبضات القلب قد يسبب الدوخة ماذا تقصد بكلمة "دوخة"؟ الدوخة في العرف الطبي مصطلح فضفاض يطلق على اربعة اشياء مختلفة في الوصف ومختلفة في الاسباب والعلاج: الاول: ان يشعر الشخص ان الغرفة تلف من حوله بسرعة أو انه يتحرك لا اراديا كأنه في الفراغ وهذا يشكل 50% تقريبا من انواع الدوخة وهذا النوع يكثر في من تعرضوا لحوادث ارتطام للدماغ .. ولكنه غالبا ما يحدث بسبب التهاب الاذن الداخلية اما "الفيروسي" او "الدوخة الحميدة المتقطعة" او مرض منيرس... ومما يميز المسبب الاخير عن سابقيه هو فقدان سماع الصوت الموقت مع الدوخة ..اما الطنين بحد ذاته فلا يفرق بين تلك الاسباب .. ومن الاسباب كذلك "الشقيقة" التي تكون مصحوبة بدوخة. ثانيا: ان يشعر الانسان انه على وشك السقوط على الارض او الاغماء ولكن لا يغمى عليه وهذا يشكل 15% تقريبا من مجموع اشكال الدوخة وغالبا مايختص هذا الوصف بالقلب واعراضه سواء من ناحية اختلال كهرباء القلب او الجلطات القلبية او تفاوت الضغط ارتفاعا وهبوطا سواء في جميع اوضاع الجسم او في وضعية معينة "مثل القيام من السجود" او بعض الادوية مثل ادوية الضغط. ثالثا: ان يشعر الانسان بمجرد عدم التوازن وميله الى جهة معينة او ان يشعر ان قدميه غير متزنتين وهذا يشكل 15% تقريبا من مجموع اشكال الدوخة وهذا غالبا لتأثر اعصاب القدمين كما في مرضى السكر او مرض باركنسون الرعاش او جلطات الدماغ المزمنة او الحادة. رابعا: الدوخة الخفيفة تحدث بين حين وآخر ويحس انه "مفصول" عن العالم حوله .. وهذه تشكل 20% تقريبا وتحدث بسبب الامراض النفسية وبالذات القلق والتوتر ويمكن ان يكتشف ذلك بسهولة بأن تطلب من المريض سرعة التنفس العميق حيث تزداد هذه الدوخة بشكل كبير. كيف يسبب القلب الدوخة؟ كما اسلفنا سابقا ان الدوخة هي من اعراض الجهاز العصبي عموما والاذن الداخلية خصوصا حتى في مرضى القلب ولكن قد يحدث نادرا ان يكون القلب سببا في الدوخة واذا حدث فهو من النوع الثاني للدوخة فمثلا تكون شكواه "احس يادكتور كأنه بيغمى عليّ لكن مايغمى عليّ!!" او "كأني سأسقط" وذلك بعدة طرق: اولا: بطء نبضات القلب حيث ان تنزل دون الخمسين مع انسداد التوصيل الكهربائي داخل القلب وذلك يسبب الدوخة اذا كان الانسداد لمدة قصيرة تحت 3 ثوانٍ او الاغماء اذا استمر اكثر من ثلاث ثوانٍ. ثانيا: التسارع الشديد سواء الاذيني او البطيني قد يسبب الدوخة، وكذلك من الممكن ان يسببا الاغماء وذلك بطرق مختلفة ليس هذا موضع شرحها. ثالثا: تضيق الصمام الاورطي الشديد قد يسبب شعورا بالاغماء وقد يسبب الاغماء فعلا في بعض المرضى. رابعا: هبوط الضغط عند الوقوف وذلك بعدة اسباب اما الصيام او فقدان السوائل الشديد بسبب التعرق او الاسهال او بسبب تأثير ادوية الضغط مثل ادوية مضادات الفا او مضادات بيتا او مضادات الانجيوتنسين. خامسا: تأثير الادوية؛ من المعروف ان بعض ادوية القلب والادوية النفسية والبروستات قد تسبب الدوخة. والخلاصة: ان الدوخة مصطلح عام يندرج تحته الكثير من الاعراض والمسببات ولابد للطبيب والمريض ان يكونا دقيقين في تحديد نوع الدوخة ثم يسهل بعد ذلك تحديد السبب والعلاج ...كما انه يتضح مما سبق ان امراض القلب ليست من الاسباب المنتشرة للدوخة .. رفيجب على الطبيب والمريض معا قبل ان يحمّلا "القلب" وزر "شكوى الدوخة" ان يتأكدا من فحوصات الاذن الداخلية والدماغ وتأثيرات الادوية الجانبية.