اعتبر الكثير من النقاد بأن فكرة البطل في الرواية العربية هي فكرة قديمة جداً وتجاوزت المدارس النقدية القديمة والتي كانت تعتبر بأن حضور هذه الفكرة يعتبر من أركان العمل الروائي؛ مما يعطي دلالة بأن الإبداع أوسع من إخضاعه لقوانين المدارس النقدية والتي كانت تحاكم النصوص قديماً وفق عناصر الحبكة القديمة. يشير أستاذ النقد الأدبي الحديث، بجامعة الملك سعود د. صالح زيّاد، إلى أن مدارس النقد الحديثة عزفت فعلاً عن مقولة "البطل" منذ تصاعدت أهمية الشكل في النقد الأدبي، فقد أفضت البنيوية – مثلاً- إلى التخلص من مقولة "البطل" لأنها دلالة صادر عن قياس المحتوى أي ما تدلل عليه الشخصية من معنى، والأدب في البنيوية شكل وليس محتوى، مردفا قوله: إلا أنه قد جاء في السيميولوجيا -علم دراسة الدلالات والرموز- نموذج العوامل لجريماس الذي أصبحت الشخصيات فيه ضمن منظور أشمل يدرجها في منظومة عوامل ستة، قد تجتمع عدد من الشخصيات – وليس واحدا - في الاضطلاع بدور أحدها، وقد يمثل هذا العامل إنساناً وقد يكون شيئاً أو مكاناً أو معلومة وليس لأحدها من الأهمية ما يستقل به عن غيره ولا من الفعل إلا في مقابل غيره أو في معيته. وقال زياد: الذات التي يدلل النص على صفتها الذاتية بالرغبة في شيء تتطلع إلى تحقيقه، ناتجة عن "مرسل" هو من يبعث في الذات الرغبة ويدفع إليها، و متصلة ب"مرسل إليه" يؤول إليه موضوع الرغبة، مؤكداً بأن هذه العوامل الثلاثة لا تقل فعلاً في حركة السرد ودلالته عن "الموضوع" وهو الرغبة التي تسعى الذات في طلبها، ولا عن "المساعد" الذي يعين الذات في مسعاه ولا "المعارض" الذي يعوقه ويعرقل تحقيقه للرغبة، وإلى ذلك يمكن رصد تحلل مقولة "البطل" تحت اسم "الشخصية الأولى" عند فيليب هامون، ودلالة "البطل" في وصف شخصية محددة سردياً هو وصف إيجابي من وجهة أخلاقية أو إيديولوجية أو فكرية أو واقعية أو اجتماعية إلخ.. وأشار زياد إلى أنه قد لا يتطابق البطل من جهة الكاتب عليه من جهة القارئ، مضيفا: دعني أسأل هنا، من البطل في رواية ليلى الجهني "جاهلية" هل هي الفتاة "لين" أم هو الشاب الأسود "مالك" الذي وقعت لين في حبه؟! الإجابة – بالطبع- لن تكون واحدة عند كل منا! وفيما يتعلق بأقدمية النظريات الأدبية قياساً من حداثة الرواية السعودية، فرق زيّاد بين "النظرية الأدبية" و"المذهب الأدبي" فلجورج لوكاش –مثلاً- نظرية في الرواية، وهو مذهبي منخرط في الواقعية الاشتراكية، التي ترى ضرورة قيام الأعمال الأدبية على ما تسميه "البطل الإيجابي" أي الشخصية المكافحة التي تؤمن بانتصار الطبقة العاملة، مردفا قوله: إن كل مذهب أدبي ينتج من المعرفة النظرية بالأدب والقيم الجمالية له ما يرفد مذهبيته ويرسخها ويفسرها، وهذا التصور يجعلنا نتساءل عن الرواية السعودية في طبيعة مقوماتها الجمالية والفنية، هل يمكن الحديث عنها وكأنها متجانسة إلى الحد الذي يسمح بتوحيد الكلام عنها والوصف لها؟ وهل صنعت –هكذا- أفقاً خارج كل النظريات؟! وختم زياد حديثه قائلا: ما أراه أنا، أن الرواية السعودية تمر بفورة على مدى عقد من الزمان وأن هذه الفورة في تكاثر الإصدارات واختلافها لا تأتلف على ما يسمح بأحكام مطلقة عنها، وأنها –في معظمها- ضئيلة في جهة الابتكارات السردية والتفرد الحكائي، وأبرز الروائيين لدينا أكثر إنصافا للرواية السعودية من أن يطلقوا ادعاءات من قبيل التجاوز والمفارقة للسائد. أما الدكتور حسين المناصرة، فيرى أن الروايات التقليدية هي التي تحتفي بشخصية مركزية في العمل الروائي، هي شخصية البطل التي تحيل على الحكايات والسير الشعبية؛ ولكن مع التحولات في الروايات، تغيرت المفاهيم نحو الشخصيات، فغدت البطولة قيمة جمالية مستبعدة كثيرًا، ليحلَّ مكانها الشخصية أو الشخصيات الرئيسة، وأحيانًا لا تكون هناك شخصيات رئيسة ، بقدر وجود شخصيات أو علامات تؤدي أدوارًا معينة في بنية السرد؛ يمكن أن نسميها أدوارًا فاعلة بحسب حجمها أودورها. وأشار المناصرة إلى أنه في أحيان كثيرة تكون البنية اللفظية للشخصية محدودة جدًا، وفي الوقت نفسه تكون هذه الشخصية أهم عامل محرك للبنية السردية في الرواية؛ لذلك غدا النقد الجديد يتعامل مع علامات أو مكونات في مجال الشخصية أو غيرها، وأيضًا يمكن التعبير عن " البطل" بأسماء أخرى أكثر انسجامًا مع النقد الجديد؛ كأن يقال الراوي أو السارد أو غيرهما، بالنظر إلى أن هذه التسمية لا تفضي إلى بطولة ما، وهذا ما يجعل الدراسات النقدية الحديثة، في سياق كونها قراءة أو مقاربة للنص الروائي، لا تعير البطولة أية أهمية، كما كان الحال في النقد التقليدي كالمنهج النفسي، أو المنهج التاريخي، أو المنهج الاجتماعي، أو المنهج الأسطوري،إلخ. ويعتبر المناصرة بأن ما طُرح في هذا التحقيق من تساؤل يعد إشكالية حقيقية؛ لأنه يكشف عن تحولات الرواية من جهة، وتحولات النقد من جهة أخرى؛ فالرواية الجديدة – عمومًا- لم تعد تقدم بطلاً نموذجيًا، ولم تعد ذات رؤى أحادية – باستثناء الروايات السيرية وكذلك النقد السردي المتجدد استجاب لهذه الرواية؛ ولم يعد يستلب الرواية فيحيلها على جنائزية البطولة المطلقة أو النسبية، مؤكداً أن كل ما هو في الرواية في مجال الشخصيات هو مهم بصفته عضوًا أو جزءًا في بنية سردية متكاملة؛ إذا كانت الرواية في مستوى فني مميز. كما يرى المناصرة بأن النقد النوعي هو نقد القراءة أو المقاربة التي تستلهم النظرية، وتعيد إنتاجها، فتستبعدها كبنية إسقاطية على العمل الأدبي، وهنا لم يعد هذا النقد - بصفته ممارسة نوعية لا كمية قائمًا على نظرية أحادية أو عدة نظريات بأساليب أكاديمية أو مدرسية؛ كما كان حال السلطة النقدية التقليدية، التي تجبر الناقد أو الباحث على أن يحدد منهجًا أو أكثر لدراسة العمل أو الأعمال الأدبية، وهذا يعني أن النقد الجديد قد تحرر من هذه الأساليب المدرسية، فتأسس على دور الناقد بصفته مثقفًا عالمًا بأدواته النقدية المتعددة، التي تتيح المجال للنص أن يكتب النقد، وليس النقد هو الذي يكتب النص؛ أي أن الرواية هي التي تملي أدواتها وإشكالياتها النقدية عل قارئها أو مقاربها في فضاء رحب متسع، يرفض الإسقاط والهيمنة على الإبداع، مشيراً إلا أنه لا يوجد في الثقافة النقدية أو المنهجية نص محلي وآخر عالمي؛ فالرواية عند فوكنر مثل الرواية عند نجيب محفوظ مثل الرواية عند عبده خال، هي رواية في المصطلح المفهوم السردي ؛ لهذا يمكن أن تنجز قراءة انطباعية لرواية ما جماليات سردية أهم مما تقدمه نظرية معقدة في علم السرديات، وفي حال أن وددنا الربط بين الرواية الجديدة التجريبية المغايرة للرواية التقليدية، والنقد المنفتح الثقافي الواعي الذي يسلط الضوء على النص، ويستبعد النظرية الإسقاطية، التي ربما تكون غير صالحة للتطبيق إجمالًا، مختتماً المناصرة حديثه بأنه لا يظن أنّ بالإمكان الحديث عن نظريات نقدية جديدة، بعد أن وصلت المناهج والنظريات النقدية إلى أكثر من ثلاثين نظرية أو منهجًا، لهذا قيل ماذا بعد ما بعد البنيوية، فكانت الإجابة الساخرة: العودة إلى الانطباعية في زمكانية أفلاطون وأرسطو!. فيما يذكر الناقد د.فيصل درّاج الحاصل على جائزة أفضل كتاب عربي لعام2002م عن كتابة" نظرية الرواية والرواية العربية" أن البطل قد لاقى تحولات عدة في مسيرة السرد العربي فالبطل في الرواية، ظاهرياً، شخصية مركزية، تدور حولها شخصيات ثانوية، تضيئها وتُستضاء بها، إلا أن التحولات الاجتماعية لها دور مهم في تغيير مفهوم البطل في الرواية العربية لكن يبقى السؤال: ما معنى البطل في الرواية الآن ؟ يأتي الجواب الذي لن يكون أخيراً، من اتجاهات مختلفة، فقد تكون البطولة للغة كما نرى في أعمال إدوار الخراط، أو أن تكون البطولة للرؤيا كما في أعمال نجيب محفوظ، أو للسخرية كما في نصوص إميل حبيبي، أو أن تكون البطولة لحالة التوثيق والكتابة كما في أعمال ربيع جابر، إن بطولة الإنسان الحقيقية، لا وجود لها في صيغة المفرد إنها مفهوم أوسع من ذلك بكثير. د. صالح زياد فيصل دراج