أضحى الإرهاب يشكّل قلقاً كبيراً لكل الشعوب، وخاصة شعوب ما سُمّي بثورات الربيع العربي التي لم تحقق أي تغيير يُذكر سوى زيادة معاناة الناس، والانفلات الأمني، وتفشي الفوضى، التي دمرت القيم الدينية والوطنية والأخلاقية والاجتماعية، وإضعاف دور الدولة -إن لم يكن تغييبها- وإشاعة الخوف والرعب وعدم الاطمئنان، وتهديد الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي للشعوب، ونمو ظاهرة العنف والإرهاب، وإثارة الفتن، وإشعال الصراعات والحروب الطائفية والمذهبية في بلدان ذلك الربيع، التي يبدو أنها أُصيبت بعدوى مما يحدث في العراق منذ الغزو الأمريكي له الذي حوّله إلى مرتع خصب لنمو إرهاب تنظيم القاعدة بكل أذرعه، التي تمارس أعمال القتل والاغتيالات والتفجيرات الانتحارية المفخخة بشكل يومي، مُخلفة من الضحايا ما يصعب حصره، ومن الدمار النفسي والمادي مالا يمكن التخلّص منه إلّا بعد عقود من الزمن وبجهود مضنية، وثمن باهض.. واليمن لم يكن وضعه أفضل من أوضاع تلك البلدان التي اكتوت بنار ثورات الربيع بل ربما يكون الأسوأ، فلايزال يعاني من التداعيات الكارثية للأزمة السياسية، وما خلّفته من صراعات وتناقضات ومعاناة، وانفلات أمني مخيف، وتفشي الفوضى العارمة، وتدهور الاقتصاد، وتوقف عملية التنمية والاستثمارات، وارتفاع معدلات البطالة، واتساع رقعة الفقر، وزيادة الفساد المالي والإداري، وعجز حكومة الوفاق عن إنجاز أي شيء يُذكر، واستمرار الأحزاب السياسية وجماعة الضغط وشبكات النفوذ في إشعال الصراعات العبثية التي ستدمر اليمن، بهدف الاستحواذ على السلطة، بعد أن عجزت عن تقديم البرامج الكفيلة بإنقاذ اليمن من المآزق التي وصل إليها، ناهيك عن تحقيق النهوض الوطني الشامل، وقيام الدولة المدنية الحديثة المنشودة.. دولة النظام والقانون، الأمر الذي جعل تنظيم القاعدة يستغل تدهور الأوضاع ليصبح سيد الموقف، ويعمل على توسيع نشاطاته الإرهابية ومحاولة السيطرة على الكثير من المناطق، وتنفيذ أجندته الموغلة في الإرهاب والعنف والإجرام ضد الشعب اليمني، والاستيلاء على السلطة وتحقيق هدفه الاستراتيجي بإقامة إمارة اليمن الإسلامية، وهو في هذا الهدف يلتقي مع هدف الأحزاب التي تخلت عن مسئولياتها الوطنية والتاريخية في هذا المنعطف التاريخي الهام والخطير الذي تمر به البلاد، وما تواجهه من تهديدات تنذر بتمزيق اليمن وتفتيته، والزج باليمنيين في اتون صراعات وحروب من الصعب التكهن بعواقبها، ووقوف تلك الأحزاب موقف المتفرج من تصاعد أعمال الإرهاب، مما يثير الشك أنها بذلك تبارك -ضمنياً- مثل هذه الممارسات، معتقدة بأنها في ظل هكذا أوضاع سيئة ستستطيع الانقضاض على السلطة، رغماً عن إرادة الشعب، وبعيداً عن الديمقراطية التي اختارها اليمنيون نهجاً لحياتهم وضماناً لمستقبلهم، الأمر الذي يستوجب أن تنهض كل القوى الوطنية الحية التي تشعر بمسئولياتها الوطنية تجاه اليمن ووحدته وأمنه واستقراره، لحشد الجهود والطاقات لإفشال المؤامرات ومجابهة التحدّيات والأخطار المحدقة باليمن، وفي مقدمتها خطر الإرهاب، والتي لن تقتصر آثارها السلبية والمدمرة على الأوضاع والظروف الراهنة التي تعتبر الأسوأ في تاريخ اليمن الحديث، وإنما قد تمتد لتطال الأجيال القادمة ومستقبل اليمن، وأن يدرك الجميع بأن اليمن في خطر تتجلى أوضح صوره في إشعال الفتن والصراعات المسلحة والحروب الطائفية التي طلت بقرونها الشيطانية -أخيراً- وتمثل أكبر خطر يهدد اليمن، وقيام بعض الأحزاب وقوى الهيمنة والنفوذ بتغذيتها، لتحافظ على مصالحها التي لن تستمر إلّا في ظل الفوضى وغياب دور الدولة. إن ما سينقذ اليمن هو العمل الجاد والمخلص من الجميع، وتخلي الأحزاب عن الإضرار بالوطن وبمصالحه العليا من أجل السلطة، وأن تجعل مصلحة الوطن فوق كل المصالح والأهواء، وعدم التمسك بالمواقف التي يريد البعض من خلالها ترتيب أوضاعهم مستقبلاً بدلاً من ترتيب أوضاع البلاد والحفاظ على وحدتها.