تحدثت في آخر مقال عن فكرة السياحة من خلال "أهل البلد" اعتماداً على مبدأ أهل مكة أدرى بشعابها.. ولتقريب الفكرة قلت: تخيل معي كم ستكون رحلتك غنية وثرية وجميلة حين يكون لديك صديق في جيزان أو نجران أو الدمام يستقبلك في المطار أو يمر عليك في الفندق ليأخذك في جولة بسيارته ثم ينتهي بك الحال بتناول طعام الغذاء في منزله أو العشاء في منزل والدته ولاستكمال الفكرة وفهمها بشكل أفضل تمنيت منكم البحث في النت عن مقال سابق بعنوان "أصدقاء حول العالم"... أما فيما يخص جولتي الأخيرة في أمريكا الجنوبية فهناك تسعة أسماء على الأقل ساهمت في جعلها أكثر ثراء وغنى وأجدر بالتذكر لسنوات طويلة قادمة... فهناك مثلاً السيدة ليز فلور التي هربت في شبابها إلى تشيلي خوفاً من بطش الحكم العسكري في الأرجنتين. ولأنها جامعية مثقفة عرضت عليّ الذهاب أولاً إلى مقهى مشهور لتشرح لي شيئاً عن تاريخ البلاد المضطرب.. وهكذا بدأت أول أيامي هناك بمحاضرة تاريخية وعدد كبير من الأوراق ووسائل الشرح.. وحين انتهينا أخذتني إلى مقبرة مشهورة (قرأت عنها الكثير) تضم رفات ساسة وجنرالات ومشاهير كانت لهم بصمات واضحة في تاريخ بلادها...... أما الشاب مارسلو مانسيلا فلم يمر عليّ إلا في اليوم الخامس من وجودي في بوينس آيرس. وحين نزلت لمقابلته في بهو الفندق أخبرته أنني رأيت كل شيء في المدينة واقترحت عليه بالتالي زيارة إحدى البلدات خارجها.. وخلال تواجدنا في القطار تحدث كثيراً عن السياسة والاقتصاد ومراحل الهجرة الأوروبية لأمريكا الجنوبية وأخبرني صراحة أنني لن أرى هنا الكثير من السكان الأصليين لأن "أجدادنا" أبادوا معظمهم... وفي نهاية الرحلة أهداني ملفاً كان يحمله على الدوام يتضمن ما يجب أن أراه وأزوره في الأرجنتين.. أيضا هناك لويس إيدر الذي رافقني لعدة أيام في منطقة الشلالات على الجانبين البرازيلي والأرجنتيني (وكنت قد نسيته تماماً حتى أيقظني موظف الاستقبال صباحاً ليخبرني أن هناك شخصاً يود مقابلتي). وهو طالب جامعي يعمل على استقبال الوفود السياحية وأخذهم في جولات ضمن المحميات الطبيعية التابعة للدولتين.. والجميل أنه حتى في الأيام التي ينشغل فيها يبعث لي صديقه الذي لا يتحدث الإنجليزية ولكنه يملك سيارة مكنتني من قضاء مشاويري الخاصة بما في ذلك ركوب طائرة هليكوبتر أتاحت لي رؤية الشلالات وكامل المنطقة من الأعلى!! أما في ريو دي جانيرو فكانت هناك السيدة باتريشيا التي كانت والدتها تعمل خادمة في منزل عائلة ثرية لم ترزق أطفالاً فتبنتها وهي طفلة صغيرة.. وبفضل هذه الصدفة السعيدة لم تحصل فقط على تعليم جيد ولغة إنجليزية سليمة، بل ورثت منهم شقة كبيرة في أفضل أحياء المدينة "كوباكابانا" مازالت تعيش فيها مع والدتها.. وحين طلبت منها زيارة المناطق العشوائية الفقيرة حول ريو (وتدعى فافيلا) رفضت كونها تعج بالمهاجرين والعاطلين وتجار المخدرات ولا تسيطر عليها الشرطة بشكل كامل.. ولكنها في المقابل عرضت عليّ (وهنا كانت المفاجأة) التواصل مع شقيقها ليوناردو الذي يعيش هناك.. وحين سألتها مستغرباً ولماذا يعيش شقيقك هناك؟ أخبرتني أنه من أم مختلفة وبالتالي لم يمر مثلها بذات الحظ السعيد.. وهكذا تواصلت مع ليوناردو الذي أخذني في جولات مدهشة، وسرت معه في أزقة لا يتجاوز عرضها نصف متر واتضح لي في النهاية أنه أطيب رجل قابلته خلال رحلتي كلها رغم تعليمه البسيط ولغته الركيكة....!! على أي حال هذه "الأسماء" مجرد أمثلة ونماذج لتوضيح فكرة السياحة من خلال "أهل البلد".. ولأنه من غير اللائق نشر عناوينهم في الجريدة (لمن يرغب بزيارة أمريكا الجنوبية ذات يوم) سأعمد لنشرها في موقعي على تويتر والفيسبوك في حين يمكنكم رؤية الصور على موقعي في انستجرام instagram.com/fahadalahmdi