عندما يقرر الطبيب فحص عنق الرحم، فإنه يأخذ مسحة من عنق الرحم لكي تفحص في المختبر بما يسمى اختبار مسحة بابانوكليو Pap smear test، وسوف يتم شرح هذا الاختبار عن طريق المختصين، وباختصار تأتي النتيجة إما أن تكون خلايا عنق الرحم عادية تماما أو يكون بها تغيرات، وهذه التغيرات إما أن تكون غير نمطية وذات خواص غير معروفة ASCUS أو تكون بداية احتمال حدوث سرطان عنق الرحم، وفي كل الأحوال التي يكون فيها تغيرات فإن هناك احتمالاً أن تعود الأوضاع لسابق عهدها العادي، ولكن عند استمرار هذه التغيرات أو تحولها تدريجيا إلى خلايا سرطانية فإن الدراسات الحديثة أثبتت أن فيروسات الورم الحليمي البشري هي التي تتسبب في عملية السرطنة، فماهي هذه الفيروسات؟ هي عبارة عن فيروسات من عائلة خاصة تسمى عائلة فيروسات الأورام الحليمية Papillomaviridae وهي فيروسات بدون غلاف non-enveloped تحتوي على الحمض النووى "دنا DNA" الثنائي النسيلة double-stranded كمادته الوراثية والتي بها حوالي 7900 زوج من القواعد النتروجينية، ويوجد منها أكثر من 150 نوعا مصنفة حسب تسلسل القواعد النووية وحوالي 40 نوعاً منها يمكن أن تنتشر عن طريق الملامسة الجسدية الجنسية للأغشية المخاطية؛ ولذلك فإن الإصابة بعدوى هذا الفيروس تعتبر مرضاً جنسياً وهو الأول في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولكن هذه الأنواع تنقسم إلى قسمين رئيسيين : فيروسات الورم الحليمي ذات المخاطر القليلة Low Risk وهي التي تنتقل جنسياً ولكنها ليست مسرطنة وتتسبب في حدوث الثآليل الحميدة على الأعضاء التناسلية، فمثلاً نوعي 6 و11 يتسببان فيما يزيد عن 85% من هذه الثآليل ، النوع الآخر وهو فيروسات الورم الحليمي ذات المخاطر الشديدة High Risk وهناك على الأقل 12 من هذه الفيروسات، التي تتسبب في حدوث عملية حدوث الإصابة بالسرطان وخاصة في منطقة عنق الرحم عند السيدات وكذلك الأغشية المخاطية للمستقيم والحنجرة، وقد أثبتت الدراسات أن نوعي 16 و18 هما المسؤولان عن أكثر هذه الحالات وأنهما يتواجدان في أكثر من 90% من الحالات التي تم تشخيصها على أنها بالفعل سرطان عنق الرحم. ويختفي هذا الفيروس بعد العدوي في معظم الحالات بشكل طبيعي ولا يتسبب في أي مشاكل صحيّة، ولكنه عند بقائه في خلايا الأغشية المخاطية كتلك التي في عنق الرحم والمستقيم والحنجرة فإنه من الممكن أن يحدث تغييرات في هذه الخلايا بدون أن يشعر المصاب بأية تغيرات، وقد تظهر الثآليل خلال أشهر وقد يتضح وجود سرطان خلال سنوات عدّة وحتى خلال عقود من الزمن، ولكن في حالة مرضى نقص المناعة فإن العدوى قد تكون سريعة وقد تظهر الثآليل أو السرطان في مدة وجيزة، خاصة في المستقيم. وفي الأنواع ذات المخاطر الشديدة، تظهر بروتينات داخل الخلية وذلك بعد العدوى بالفيروس (تنتج عن مورثات فيروسية) في البداية المبكرة لتكاثر الفيروس داخل الخلية تسمى إي 6 وإي 7 (E6 and E7)، حيث إن إي E باللغة الإنجليزية تعني مبكرا، ولو فصلنا التركيب الوراثي للفيروس لوجدنا أنه يحتوي على سبع مورثات تظهر مبكراً ومورثين يظهران متأخرين، بالإضافة إلى منطقة طويلة في المادة الوراثية لاتنتج أي بروتين ولكن لها دخل كبير في تنظيم عملية تكاثر الفيروس داخل الخلية، وعند نسخ Transcription مورثات الفيروس داخل الخلية ففي البداية يتم نسخ كامل المورثات المبكرة الستة (حيث لايوجد إي 3) إلى جزيء واحد من ال "رنا ناقل المعلومات mRNA" والذي يتم بعد ذلك تقطيعه، وإحدى هذه القطع (إي 6) تساهم بشكل فعّال على ترجمة إي 7 إلى مُنتج بروتيني، ولكن هذه العملية لها تنظيم خاص، فكلما إزداد مُنتج إي 2 قلّت عملية نسخ مورثات الفيروس وبالتالي قلت فرصة انخراط واتحاد مورث الفيروس في مورثات الخلية، وهذا الإنخراط أو الاتحاد يشجع على تغير الخلايا وتكاثرها بدون انتظام مما يكثر من احتمال حدوث السرطان، وتجدر الإشارة إلى أن هذين البروتينين (إي 6 وإي 7 - E6 and E7) يثبطّان عمل بروتينين آخرين داخل الخلايا يعملان بشكل طبيعي في كل الأوقات على منع تكوّن الأورام وهما: بي53 وريتينوبلاستوما (P53 and Retinoblastoma pRb) على التوالي، فبروتين إي 6 يعمل على تثبيط بي53 وبروتين إي 7 يعمل على تثبيط ريتينوبلاستوما، ولذلك فإن مورثا إي 6 وإي 7 تسمّى المورثات الفيروسية التورمية Oncogenes ويعملان على تسريع الدورة التكاثرية الخلوية Cell Cycle وهذان البروتينان يكونان أكثر نشاطاً في فيروسات الورم الحليمي من نوعي 16 و18، ولذلك فهما الأكثر تواجداً في خلايا عنق الرحم السرطانية. وكملخص لما ذُكرَ أعلاه، يمكن القول بأن هذه الفيروسات من أكثر الميكروبات في العالم التي تنتقل عن طريق النشاط الجنسي والملامسات الحميمية، ولها صلة وطيدة ببعض الثآليل وسرطانات الخلايا الظهارية epithelial cell cancers، وقد بدأت محاولات إنتاج لقاح واقي لهذه الفيروسات منذ عقدين من الزمن أثمرت عن إنتاج لقاحين للوقاية من أهم هذه الفيروسات أحدهما لنوعي 16 و18 والآخر لأنواع أربعة وهي 6 و11 و16 و18، ورغم ذلك فهناك حاجة ملحّة للاستمرار في الأبحاث العلمية المتعلقة بكيماوية وبيولوجية هذه الفيروسات، هذا بالإضافة إلى الدراسات الميدانية والوبائية الجزيئية الضرورية في كل دولة من دول العالم، وذلك للتعرف على مدى انتشارها ومن ثم اتخاذ ما يلزم من توصيات للحد من الانتشار. *قسم الالتهابات والمناعة - مركز الأبحاث