في لحظاتٍ وقفتها مع نفسي عدتُ فيها لذلك الماضي البعيد عندما كنتُ على مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية أخذت أقارن بين ماض عشناه وواقع نعيشه الآن؛ أصبحتُ أعمل في مكانٍ كنتُ أرى من تعمل فيه مصدراً للخوف والرعب، كنت أراها مراقبةً ومنقبةً عن الأخطاء لنحاسَب بها نحن الطالبات قبل معلماتنا؛ تلك هي المشرفة التربوية التي ما إن تدخل المدرسة حتى نهرعَ لدفاترنا نكملها ونحسنها، وللمنهج فنسترجعه صفحة صفحة، فأصبحت الحصة عبئا ثقيلا على المعلمة والطالبة معاً، والمشرفةُ تشمرُ عن ساعديها لتثبتَ للجميع أنها الأفضل، وأن كلامها لا رجعة فيه فلا حوار ولا نقاش و لا دعم ولا مساندة ؛ كانت تدخل للمدرسة تناقش شكليات، وتعلق على كماليات، تدقق وتحاسب. ومرت الأيام وانتقلتُ من مرحلةٍ لأخرى وعيتُ فيها أن المشرفة لم تأت للمدرسة لتحاسبني بل جاءت للمعلمة فخفت حدة الخوف والتوتر إلا أن أسلوب المشرفة لم يتغير كثيرا ومرت الأيام ودخلت مجال الإشراف التربوي فعلمت أن المشرفة داعمة ومساندة وموجهة تنقب عن المعارف بأنواعها لتوصلها للمعلمة مغلفة جاهزة تدعم الضعيفة وتأخذ بيدها، وتبرز المتميزة وتثري خبراتها، ومع ذلك فلا تدعي أنها أفضل من غيرها بل هي شريكة للمعلمة في كل ما يخدم الطالبة؛ وما حصل ذلك إلا بعد أن تغيرت النظرة للإشراف التربوي؛ فقد كان الإشراف التربوي يطلق عليه اسم ( تفتيش) وذلك عندما قامت وزارة المعارف بإنشائه عام 1377 / 1378 وكانت مهمة المفتش زيارة المدرسة لتوجيه المعلم، والوقوف على أعماله وتقويمه، ومعرفة مدى أثر المعلم في تحصيل طلابه. ثم توسع في عام 1384 وتطور مفهومه إلى عمادة التفتيش الفني وفي هذه المرحلة تم التركيز على الصفة العلمية في عملية التفتيش حيث شملت مهمته دراسة المناهج، ومراجعة المقررات الدراسية، وحصر الزيادة والعجز في المعلمين والكتب والأدوات والاحتياجات في المعامل. ومع التطور المستمر، أدركت الوزارة أن كلمة مفتش تعني المباغتة والبحث عن الأخطاء مما يقلل من أثره التربوي فصدرت تعليمات الوزارة في عام 1387 إلى تسمية المفتش بالموجه التربوي، والعمل على تقوية العلاقة بينه وبين المعلم ودخول الجانب الانساني فيها ليكون الموجه معينا ومساعدا للمعلم ولإدارة المدرسة إلا أنه مازال دور الموجه مرتبطا بالتفتيش حيث تغيرت المسميات ولم تتغير طريقة التنفيذ على الوجه الذي كانت تخطط له الوزارة، وحيث أن التحسين المستمر ضرورة ملحة فقد شكلت لجان ونفذت دراسات وخطط تم الخروج من خلالها بالقرار رقم 4 / 3 / 34 / 1494 في 22 / 6 / 1416 والقاضي باعتماد مسمى الإشراف التربوي بدلا من التوجيه التربوي وهذه المرحلة تقوم على الاتجاه إلى اللامركزية، وتشجيع إدارات المدارس ومعلميها إلى التطوير الذاتي، ودعم المبادرات الفردية، ومشاركة الميدان في عمليتي التطوير والتقويم بحيث أصبح كل من المعلم والمدير شركاء في التطوير ومازالت الوزارة تخطو بخطى حثيثة لدعم وزيادة مخرجات التعليم من خلال تبني رؤى واضحة ومحددة من منسوبي التعليم. هنا أدركت الفرق الذي حصل بين الأمس واليوم، وسبب خوفنا عندما كنا صغارا وها أنا ذا من خلال عملي في الإشراف التربوي أنظر للطالبة فأنتشي فرحا عندما ترتسم ابتسامة رضا على محياها عند زيارتي للمدرسة، وتزيد غبطتي عندما تدعوني معلماتي ومديراتي لزيارتهن لاحتياجهن لدعمي ومساندتي نفس الطالبة نفس المدرسة نفس الأدوار لم تتغير إلا أنه تغير الفكر لنرسم جميعا الخطى نحو تحقيق هدف واحد هو رفعة التعليم ورفع مخرجاته وبين كل هؤلاء فئة قليلة مازالت ترى في الإشراف التربوي مجالا لبسط عضلاتها على بعض المعلمين والمعلمات.. ورغم قسوة ذلك إلا أنني على يقين أن كل ذلك سيتغير كما تغيرت تلك المفاهيم بشرط أن نتبنى رؤية واحدة طموحة تركز على رفعة هذا الوطن والحفاظ على القيم الإسلامية السامية.