في الخامس والعشرين من نوفمبر 2013، قال البيت الأبيض إن الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي، رفض توقيع اتفاق أمني مع الولاياتالمتحدة، الأمر الذي فتح الباب أمام انسحاب كامل للقوات الأميركية في نهاية العام 2014. وذكر البيت الأبيض أن كرزاي وضع شروطاً جديدة في الاجتماع، الذي عقده في كابول مع مستشارة الأمن القومي الأميركي، سوزان رايس، في الرابع والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر، "وأشار إلى أنه غير مستعد لتوقيع (الاتفاقية الأمنية الثنائية) على وجه السرعة". وقالت رايس من ناحيتها، إنه بدون التوقيع السريع لن يكون أمام الولاياتالمتحدة خيار سوى البدء في التخطيط للمستقبل بعد عام 2014، حيث لن يكون هناك وجود للقوات الأميركية، ولا لقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان. وسيكون الانسحاب الكامل، ويطلق عليه الخيار صفر، على غرار انسحاب القوات الأميركية من العراق في نهاية العام 2011. وعلى الرغم من ذلك، فإن الولاياتالمتحدة قد تستمر في تقديم دعم محدود للقوات الأفغانية، واستخدام طائرات بدون طيار، لمواجهة القاعدة وطالبان. وربما تشن الولاياتالمتحدة هجمات من حين لآخر، مثلما فعلت في ليبيا والصومال. وهذا أسلوب مستخدم في أنحاء العالم. وقد يجري أيضاً إرسال أعداد صغيرة من القوات الخاصة لتنفيذ مهام تدريب قصيرة، بناء على طلب المسؤولين الأفغان. ويرى روبرت جرنييه، المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، إنه حتى إذا أصبح انسحاب القوة الأميركية الرئيسية ضرورياً، فإن واشنطن يجب أن تفكر في وضع بعض القوات الخاصة تحت سلطة الوكالة، لتدريب القوات الأفغانية، أو أداء أنشطة محدودة لمكافحة الإرهاب، إلى جانب بعض أفراد قوة شبه عسكرية صغيرة، تابعة للوكالة. وفي تجربة قريبة، أنشأت الولاياتالمتحدة، بعد انسحابها الكامل من العراق، مكتباً أمنياً كبيراً، ملحقاً بسفارتها في بغداد، للإشراف على المبيعات العسكرية، وتقديم مشورة للحكومة العراقية، وتزويدها بدعم فني محدود. وقد دعيت القوات الأميركية الخاصة للعودة إلى العراق للمساعدة على مكافحة الإرهاب، وتقديم دعم معلوماتي واستطلاعي. وكانت الولاياتالمتحدةوأفغانستان قد بدأتا، في 15 تشرين الثاني نوفمبر 2012، مفاوضات خاصة بتوقيع اتفاقية أمنية، تسمى "اتفاقية وضع القوات"، سبق أن وقعت الولاياتالمتحدة اتفاقيات مماثلة لها مع كل من العراق واليابان وألمانيا وإيطاليا وكوريا الجنوبية، إلا أن مضامينها تفاوتت بين دولة وأخرى. وأقر المجلس الأعلى للقبائل الأفغانية مشروع هذه الاتفاقية، في 23 نوفمبر 2013، الأمر الذي مهد الطريق لإحالتها إلى البرلمان الأفغاني. إلا أن العائق الآن يتمثل في توقيع الرئيس حامد كرزاي. والقوة الأميركية التي جرى التفاوض على بقائها في أفغانستان تبلغ نحو ثمانية آلاف جندي، من أصل 47 ألف جندي أميركي يتمركزون في الوقت الحالي. وقد تناول الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مستقبل الوجود في أفغانستان، في خطابه عن حالة الاتحاد، الذي ألقاه في الثاني عشر من شباط فبراير 2013. وأوضح أوباما أن القوات الأميركية ستتحول (حدث منذ الربيع الماضي) إلى مهام الدعم، بينما تتولى قوات الأمن الأفغانية الدور القيادي للعمليات في عموم الأراضي الأفغانية. وقال أوباما: يُمكنني أن أعلن أنه على مدى العام القادم سيعود 34 ألف جندي أميركي آخرين إلى الوطن. وهذا الخفض لعدد الجنود سوف يستمر، وبحلول نهاية العام 2014 ستكون حربنا في أفغانستان قد انتهت. وكانت الولاياتالمتحدةوأفغانستان قد وقعتا، في الأول من مايو 2012، اتفاقية شراكة استراتيجية، تحدد ملامح العلاقة طويلة الأمد بين البلدين. وبموجب هذه الاتفاقية، تتعهد كل من الولاياتالمتحدةوأفغانستان بتعزيز التعاون الإستراتيجي في المجالات ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك "الإسراع بإرساء السلام والأمن والمصالحة، وتعزيز مؤسسات الدولة، ودعم جهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية في أفغانستان، وتشجيع التعاون الإقليمي". وكان ينتشر في أفغانستان في مطلع العام 2013 حوالي 66 ألف جندي أميركي، إلى جانب 37 ألف عسكري من قوات التحالف الدولي، إضافة إلى 352 ألف شرطي وعسكري أفغاني. وقد شرع الجيش الأميركي، في العاشر من فبراير 2013، في سحب معداته من أفغانستان. وفي قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي عقدت في شيكاغو في العام 2012، اتفق زعماء الحلف على أن تتجسد مهمة القوات في أفغانستان بعد العام 2014 على عمليات مكافحة الإرهاب، وتدريب ومساعدة القوات الأفغانية، ودعم العمليات الدبلوماسية والتنموية التي تقوم بها الولاياتالمتحدة. وفي الأصل، كان الحلف قد دخل على خط المهمة الدولية في أفغانستان اعتباراً من العام 2003، ثم تولى السيطرة الكاملة على هذه المهمة بعد ثلاثة أعوام من ذلك التاريخ. وحسب بعض محللي الدفاع في الناتو، فقد كانوا قلة هم الذين توقعوا موافقة جميع الدول الست والعشرين في الحلف (أصبحت 28 دولة اعتباراً من نيسان أبريل 2008)، بالإضافة إلى إحدى عشرة دولة شريكة لها، على نشر نحو خمسين ألف جندي، على بُعد ثلاثة آلاف ميل من حدود مناطق العمليات التقليدية للناتو، وأن يتم الالتزام من قبل هذه الدول بمهمة طويلة الأمد في بلد مضطرب كأفغانستان. وبما أن أفغانستان كانت تفتقر إلى جيش أو شرطة وطنيين يُعتد بهما، فقد نُظر إلى "القوة الدولية للمساعدة على حفظ الأمن في أفغانستان" (إيساف) كأداة لمعالجة الفراغ الأمني الوشيك، الذي قد يهدد بعض المناطق فيها. وبعد مرور سنتين على تواجدها في كابول، تم توسيع نطاق انتشار "إيساف" إلى ما وراء حدود العاصمة الأفغانية، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم (1510)، الصادر في تشرين الأول أكتوبر 2003. وكان الناتو قد تولى في صيف ذلك العام مسؤولية المنسق الاستراتيجي لإيساف، وأقر وزراء خارجية الحلف خطة عمليات معدلة لهذه القوة في ديسمبر من العام 2005، وذلك بغرض توفير التوجيه الاستراتيجي الدولي لمراحل التوسع اللاحقة. وفي نهاية يناير 2006، أقر مجلس شمالي الأطلسي قواعد الاشتباك الجديدة لقوات الحلف في أفغانستان. ويُمثل إقامة جيش وطني، متوازن عرقياً، تحدياً كبيراً، خاصة في ظل قلق البشتون مما يعتبرونه هيمنة طاجيكية على حكومة الرئيس حامد كرزاي. وكان قد ورد في وثيقة "عهد أفغانستان" أن الحكومة الأفغانية قد التزمت بتشكيل جيش وطني، مدرب بصورة جيدة، ومتوازن من حيث التركيبة العرقية. ووفقاً لما تقوله مجلة "الإيكونومست", فإن أقل من 3% من المجندين يأتون من بشتون الجنوب، الذين يوفرون لحركة طالبان معظم الدعم. وفي بدايات تكوين الجيش، كان المقاتلون السابقون يُمثلون غالبية الذين يتطوعون في التدريب الأساسي، الذي يستغرق 16 أسبوعاً، وكانوا يأتون إلى مقرات الدراسة بأسلحتهم الخاصة. وتعرض الجيش الأفغاني في بداية مساره لحالات انسحاب واسعة للجنود، بدءاً من مدرسة التدريب، وحتى الوحدات التي يتم نشرهم فيها. ويرى قادة عسكريون غربيون إن قوات الأمن الأفغانية أحرزت تقدماً أسرع من المتوقع، وإن هذا التطوّر قد ساهم في اتخاذ قرار تسريع سحب القوات من البلاد. وفي حين انخفض عدد القتلى والجرحى المدنيين بنسبة 4% في الأشهر العشرة الأولى من عام 2012، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2011، فإن الهجمات التي تشنها المجموعات المسلحة زادت بنسبة 53% في النصف الأول من العام الماضي. وفي الثامن من تشرين الثاني نوفمبر 2013، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن عدد الضحايا في صفوف القوات الأفغانية ارتفع بنسبة 79% خلال أشهر القتال الرئيسية العام المذكور. وأظهر التقرير، الذي قدمه البنتاغون للكونغرس، تراجع الضحايا في صفوف حلف الناتو بنسبة 59% خلال الفترة من أبريل حتى سبتمبر. وحذر التقرير من أن القوات الأفغانية ستكون في خطر كبير بدون استمرار الدعم الدولي، بعد إنهاء حلف الناتو مهمته القتالية نهاية عام 2014. وترى السلطات الأفغانية إن وجود قوات أمن وطنية قوية بحاجة إلى نحو خمسة مليارات دولار سنوياً، بعد انسحاب القوات الدولية. وإذا قُدر للمداولات الأميركية الأفغانية أن تختتم، في نهاية المطاف، بتوقيع "اتفاقية وضع القوات"، فسوف تكون هناك مهمتان أساسيتان للمستقبل: الأولى، إيجاد إطار عمل إقليمي لدعم العملية السياسية القائمة، تكون مهمته تشجيع المصالحة الوطنية، ورفد مقومات التنمية الاجتماعية والاقتصادية بعيدة المدى. والثانية، بناء قوات الجيش والشرطة الأفغانية، لتكون قادرة على الإمساك بزمام الوضع، وجعل الاستقرار حقيقة قائمة في مختلف أرجاء البلاد. وكذلك ضمان عدم قدرة أية مجموعة مسلحة على السيطرة على السلطة بقوة السلاح.