دبلوماسياً، يعكس تبادل السفراء بين بلدين حالة العلاقة بينهما وفي أي اتجاه تسير. وفي العادة تتخذ الدول أول ما تتخذ من إجراءات سياسية تعكس سخطها أو استياءها استدعاء السفير أو إخباره بأنه شخص غير مرغوب فيه على أراضي ذلك الكيان. وبالأمس شهدت العلاقة السعودية – الإيرانية خطوة دبلوماسية باتجاه التقارب نحو طهران، فالأخيرة ما فتئت تلمح هنا وهناك إلى رغبة مسؤول الدبلوماسية الأول فيها الوزير محمد جواد ظريف في زيارة المملكة التي تشترط "حسن النية". وبالرغم من الحالة الضبابية غير الواضحة بين الرياضوطهران، إلا أن خطوة تسمية السفير عبدالرحمن الشهري لدى إيران، لا يمكن أن تقرأ بشكل سلبي، على اعتبار أن الحالة السيئة بين أي بلدين تنعكس في البدء على التمثيل الدبلوماسي ومستواه. في وقت قال مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أمس ان التعاون والمواقف المتقاربة حول قضايا العالم الإسلامي بين طهرانوالرياض ستحظى باهتمام الدبلوماسية الإيرانية في الاجتماع المقبل لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الذي سيعقد في غينيا كوناكري. كيف يمكن أن تقرأ هذه الخطوة؟ يأتي تعيين السفير عبدالرحمن الشهري، في مناخ إيراني يغلب على خطابه اللهجة التصالحية، فالرئيس حسن روحاني قد ألمح غير مرة إلى رغبته في تحسين علاقته مع الجوار الخليجي، يقيناً منه بأن خطوة الانفتاح على الولاياتالمتحدة والدول الغربية لن تكون كافية لرفع الخناق عن كاهل طهران التي أنهكتها العقوبات الاقتصادية. وتدرك طهران أن انعكاس صورة إيران ووضعها دولياً مرتبط بشكل مباشر بعلاقاتها مع دول الخليج التي تثبت للدول الكبرى قدرتها على الصمود في وجه التغيرات التي تعصف بالمنطقة، بل استطاعت أن تكون جزءا من الحل. في ذات الوقت فإن دول التعاون تدرك أهمية طهران وتأثيرها على بعض قضايا المنطقة ومدى إمكانية أن تسهم بشكل إيجابي. ويشير الدكتور محمد السلمي الخبير في الشؤون الإيرانية إلى أن الخطوة السعودية يمكن أن تقرأ في إطار مبادرة حسن نوايا تجاه الحكومة الإيرانية الجديدة. ويضيف في حديثه ل"الرياض" انه وبالرغم من التوتر في العلاقات بين الرياضوطهران، إلا أن المملكة تسعى إلى الوصول إلى حلول للملفات العالقة بين الجانبين والخلافات في الرؤى فيما يتعلق بالثورة السورية والأوضاع في لبنان وغيرها. التوقيت يأتي تعيين السفير عبدالرحمن الشهري الذي سبق وأن ترأس الإدارة الأمنية في الخارجية السعودية، وأشرف على تحقيقات عدة ذات طابع أمني منها مقتل الدبلوماسي السعودي خلف العلي في بنغلاديش، وكذلك لجنة الكشف عن مقتل السعوديين الأربعة في النيجر؛ في مرحلة دقيقة. فالاتفاقية النووية التي أبرمت مع قوى الخمسة زائد واحد وإيران مؤخراً، في مرحلة اختبار لمصداقية والتزام طهران تجاه المجتمع الدولي، وترغب حكومة روحاني أن تثبت سعيها نحو التقارب نحو جيرانها، لذا فإن المملكة بتعيينها سفيراً في إيران ترمي بالكرة في ملعب طهران، على حد قول الخبير في الشؤون الإيرانية الدكتور السلمي الذي يشير في حديثه ل"الرياض" إلى بعد آخر يتعلق بقرب انعقاد مؤتمر "جنيف 2". كما أن الخطوة تضع حدا لما حاولت بعض وسائل الإعلام الدولية والغربية تحديدا التركيز عليه في الآونة الأخيرة بالزعم بأن الرياض تعد أحد أهم أسباب عدم الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، لأن الساحة السورية أصبحت ميدانا لمعركة بين السعودية وإيران. وبتعيين السفير الجديد، ترسم الدبلوماسية السعودية خطا واضحا يفصل بين هذين الأمرين لتؤكد بأن موقفها من الأزمة السورية موقف إنساني بحت بسبب ما يتعرض له الشعب السوري من قتل وتشريد على يد النظام الحاكم في دمشق وأن خلافاتها السياسية مع إيران معزولة تماماً عن الملف السوري ويمكن العمل على حلها مع ثبات واضح فيما يتعلق بالموقف من الثورة السورية.