في العام 1996 وصل في زيارة سرية سفير إيران لدى ألمانيا الدكتور محمد حسين موسويان إلى الدار البيضاء لمقابلة الملك عبدالله بن عبدالعزيز (ولي العهد آنذاك). كانت تلك المقابلة مهمة لدرجة كبيرة لرسم الخطوط العريضة للفترة الرئاسية المقبلة في إيران التي تُوّج بها محمد خاتمي، كان الجمود سيد الموقف في العلاقة بين البلدين، في ذات العام حدثت تفجيرات الظهران واتهم حزب الله بالوقوف خلفها، كانت لحظة عصيبة، بالرغم من ذلك لم تقطع المملكة علاقاتها مع إيران التي استؤنفت في العام 91م بوساطة عمانية. اليوم تقف الرياضوطهران أمام لحظة تاريخية، فالمملكة الصامدة وسط فوهات براكين تحيط بها من كل جانب، تحاول إدارة المنطقة ونزع فتيل التوتر هنا وهناك وإزالة العقد من تلك المشكلة وحل أخرى، وفي خضم ذلك لا يمكن تجاهل إيران الحاضرة في كل ملفات المنطقة، لكن المملكة ترى أن إيران جزء من بعض المشاكل وليست جزءاً من حلها. خطوات إيرانية للتقارب فتح الاتفاق الذي وقعته إيران مع الدول الخمس زائد واحد نافذة أمام الدبلوماسية الإيرانية فالوزير محمد ظريف ما انفك عن استقبال الوفود التي تزور طهران هذه الايام، والرئيس حسن روحاني ينوي القيام بفتح خط ساخن مع الجوار، فهاهو يعلن عن زيارة إلى تركيا الشهر الحالي، والوزير ظريف يقوم بجولة خليجية سيحدد من خلالها، ما الخطة التي سيسلكها مع الجيران غرب الخليج. لكن المثير في الموضوع هو مقدار التسارع الذي يبذله فريق روحاني من أجل تحقيق تقارب مع المجتمع الدولي، إذ لم يكمل الرئيس "الشيخ" ستة أشهر، إلا وقد عقد اتفاقه الكبير مع القوى الكبرى، وهاهو يحاول أن يصلح ما بينه وجيرانه الذين بينهم ما صنع الحداد. يحاول الإصلاحيون حلحلة المواقف مع السعودية، عبر تلميحات بأن هاشمي رفسنجاني سيزور المملكة، ويبدو أن طهران تدرك الثقل الكبير لهذا الرجل وخبرته الواسعة في هندسة العلاقات مع الرياض وتثق في قدرته، لكن حل الأمور يبدو مهمة صعبة محفوفة بالشروط والتضحيات. يراهن الإيرانيون على العلاقات مع المملكة فعودة المياه إلى مجاريها مع الرياض يعني أن الطريق سيكون ممهداً إلى إتمام صفقة النووي مع الدول الكبرى، وأن التنسيق في المجال النفطي سيصبح أكثر سلاسة، وأن رؤوس الأموال الإيرانية ستتدفق إلى الخليج، وكلها تفاصيل لها صلة بالجانب الاقتصادي الذي يحتل الأولوية لدى القيادة الايرانية الحالية. بالنسبة للسعودية فملفات سورية والبحرين ولبنان و"النووي" وأفغانستان هي أهم ما يمكن الحديث عنه مع الإيرانيين. شروط سعودية كلمة السر بالنسبة لأي خطوة تقاربية بين المملكة وإيران هي سورية التي ستحدد الحرب "الطائفية" فيها إلى أي مدى ستذهب علاقات الرياض - طهران، فالأمير سعود الفيصل وزير الخارجية قال غير مرة إن سورية بلد محتل، وان على إيران سحب جنودها ومعها مليشيا "حزب الله"، بل لم يتوقف الفيصل عند ذلك بل طالب بربط الملف النووي بالسوري كبادرة حسن نية من الجانب الإيراني، ولعل الطرح الإيراني الذي صحب انتخاب حسن روحاني كرئيس لإيران وحديث وزير خارجيته محمد ظريف عن أولوية الجوار، اشترطت الرياض أن يكون مقروناً بالأفعال، وحتى ترحيب المملكة بالاتفاق النووي الأخير جاء مشروطاً بإخلاص النوايا. واقعية التقارب في الوقت الحالي يبدو أن جس النبض بين طهرانوالرياض هو سيد الموقف مع استبعاد لفكرة التقارب حتى انعقاد "جنيف 2" وظهور مفاعيله، ويمكن أن يسعى الجانبان إلى تنقية الأجواء قبيل انعقاد المؤتمر الدولي. العلاقات السعودية الإيرانية عاشت زمن الحرب والسلم، والبلدان اللذان يعيشان حرباً باردة لم يلتحم جيشهما في جبهة واحدة قط، وإن كانت واشنطن وموسكو، قد أنهيتا الحرب الباردة باتفاقيات التعاون الاستخباري و"ستارت" للحد من التسلح النووي، فإن الاتفاقية الأمنية بين المملكة وإيران التي صاغها من جانب طهران الدكتور حسن روحاني عام 98م، عندما كان أمين المجلس القومي، يمكن أن تكون مدخلاً لإثبات النوايا.