اعتدنا مع إعلان ميزانية الدولة تناول المحللين والكتاب لأرقام الموازنة بوسائل الإعلام وفق أرقامها الضخمة وتصريحات المسئولين، إلا انه يلاحظ من خلال المرئيات والتساؤلات التي تُطرح عند مقارنة أرقامها بقيم المشاريع الضخمة وجود خلط بين الأرقام ولبس في فهمها بسبب أن ميزانيات الدولة تعد وفق أسس الميزانية والمحاسبة الحكومية، وهو مايستلزم إيضاح وزارة المالية لذلك حتى تكون الأرقام واضحة للجميع بما في ذلك التفريق بين الاعتمادات المخصصة للصرف سنويا والتكاليف المعتمدة للمشاريع. فعندما يتم الحديث عن الميزانية القادمة وما تحمله من مشروعات جديدة تم اعتمادها ويُستدل بأنها ارتفعت الى (855) مليار ريال فان في ذلك خلطا كبيرا بين الأرقام لكون هذا المبلغ هو الاعتماد السنوي المخصص للصرف ولا يشمل تكاليف المشاريع الجديدة التي تعتمد سنويا وتعلن ضمن بيان المالية (248) مليار ريال للعام القادم، فمثلاً هناك من يربط حصول قطاع التعليم على نسبة (25%) من الموازنة بالمزيد من المشروعات الجديدة للمدارس التي اعتمدت العام القادم بينما المبلغ المخصص للتعليم يشمل جميع نفقات قطاع التعليم (جميع الجهات التعليمية) بما في ذلك الرواتب والتشغيل والصيانة والصرف على المشاريع الجاري تنفيذها ونسبة قليلة جدا من المشاريع الجديدة، أي أن رقم الميزانية ليس له علاقة بما اعتمد كمشاريع جديدة ولكنها نفقات ستستمر عالية حتى بعد انتهاء المشاريع نظرا لطبيعة القطاع، وقد نرى بالمستقبل ارتفاعا كبيرا في أرقام ميزانية الدولة كمصروفات وانخفاضا بحجم المشاريع الجديدة وخصوصا في حال انخفاض الإيرادات. فالمشاريع الجديدة التي تعتمد كل عام بالميزانية تعتمد فقط كتكاليف كلية وغالبا بدون سيولة نقدية او نسبة قليلة جدا للدفعة المقدمة وذلك لتمكين الجهة الحكومية من طرحها بالمنافسة والتعاقد وبحيث يتم البدء في اعتماد المبالغ المخصصة للصرف عليها اعتبارا من العام التالي للتعاقد، وهو على الرغم من مخاطره بالالتزام بعقود ليس لها رصيد نقدي فعلي، إلا انه إجراء تهدف منه الدولة لتنفيذ اكبر عدد من المشاريع تبعا للتوقعات المستقبلية للنفط ولكون المشاريع تحتاج لعدة سنوات لتنفيذها ويمكن خلالها تدبير المبالغ المتوقع صرفها كل عام من الإيرادات القادمة، ولكننا سبق أن شهدنا أثناء سنوات انخفاض أسعار النفط وعدم التمكن من تدبير مستحقات المقاولين اللجوء إلى تمديد مدة تنفيذ المشاريع وإصدار سندات للمقاولين، وهو مايزيد من أهمية التحوط في تقدير الإيرادات وحجم المشاريع الجديدة الذي شهد هذا العام انخفاضا بنسبة(13%). وفي الجانب الآخر فان اعتماد مشاريع جديدة من فائض الميزانية مثل ماتم سابقا للإسكان والنقل العام يمثل تخصيص كامل التكلفة كسيولة نقدية في حساب خاص بمؤسسة النقد وليس لها علاقة بالاعتمادات السنوية بالميزانية وتستطيع الجهة الصرف من حساب الفائض وفق نسب الانجاز ولا تتاثر بأي انخفاض في إيرادات الدولة، ولذلك فان مشروع مترو الرياض وأي مشروع قادم يتم التعاقد عليه من برنامج الفائض لدى مؤسسة النقد لايمثل عبئا مستقبليا على الدولة، ولكن عندما نمتدح ارتفاع الإنفاق الفعلي كل عام عن المقدر بالميزانية فانه يجب ملاحظة أن تأخر وتعثر المشاريع يمثل عبئا إضافيا على الميزانيات القادمة التي ستنجز فيها تلك المشاريع لكون مايخصص للمشاريع المتأخرة قد صرف لمشاريع ونفقات أخرى لم تكن منظورة وقت إعداد الميزانية، خصوصا وأن قيمة المشاريع التي لم تنجز (2) تريليون ريال وبالتالي فان مايعرف بأنه احتياطي للدولة بمؤسسة النقد وقدره (1.6) تريليون ريال وفق تصريح معالي وزير المالية الأخير هو في حقيقته ليس فائضاً واحتياطياً للأجيال القادمة كما يعتقد معظمنا، بل يمثل جزءا من مستحقات المقاولين المنفذين للمشاريع الحالية، وهو مايستوجب إعادة النظر كليا في طريقة إعداد موازنات الدولة وخصوصا بعد اعتماد معظم المشاريع الحيوية لعدم تحميلنا بتبعات تعثر وتأخر المشاريع!